الجمعة, 05.03.2024, 5:10 PM
أهلاً بك ضيف | RSS

الوحدة الإسلامية الجهادية

الشيخ أبو الوليد المقدسي - منتدى

[ رسائل جديدة · المشاركين · قواعد المنتدى · بحث · RSS ]
  • صفحة 1 من%
  • 1
منتدى » التاريخ الإسلامي » سير أعلام العلماء » الشيخ أبو الوليد المقدسي
الشيخ أبو الوليد المقدسي
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:47 PM | رسالة # 1
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
بسم الله الرحمن الرحيم

ترجَمَةُ خادِم العلمِ وأَهْلِهِ أبِي الوَليدِ الأَنْصارِيِّ
(نُسْخَةٌ جَديدَةٌ مَعَ زِياداتٍ يَسيرَة)

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، القائلِ سبحانه وتعالى {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} في محكم قرآنه، بعث إلينا رسولاً نبياً أمياً أميناً وأيَّدَهُ بالآيات الباهرة، والحجج القاهرة، فأسبغ به صلوات الله وسلامه عليه على البشرية كلِّها نِعَمَهَ باطنةً وظاهرة، وأمره أن يصدع بما يؤمر فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، وأوضح الحجة وبين الْمَحَجَّةَ، وما انتقل إلى ربه سبحـانه حتى أكمل الله به الدين وأتم بـه النعمة فمن زعم أنه قد كتم شيئاً فقد كذب، فلا نجاة لعبد حتى يكون تبعـاً لهديـه مرادُه وهواه، ويـا فوز من طلب باتباعه رضى الله تعالى وإنما الهدى هدى الله، رزقنا الله تعالى ذلك برحمته، وحشـرنا تحت لوائه وفي حزبه وزمرته، وجمعنا به وبصحبه رضي الله عنهـم أجمعين فـي فردوس جنته.
أما بعد:
فقد ألحّ عليّ كثيرٌ من الإخوان، من بعد ما ألحّت حوادث الزمان، في كتابة ترجمة لرهين كسبـه وأسير ذنبه كاتبِ هذه السطور، أذكرُ فيها السيرةَ والطلب، عسى الله أن ينفع بها من شاء من عباده، وأن يكتب لي بِها أجرا، ويجعلَها لي ذُخْرا، إنه على كل شيء قدير.
ولولا أننا صِرْنا إلى زمان قلَّ فيه رأسٌ إلا وهو يَنْطِفُ تعالماً وجهلا، مع ما امْتُحِنَتْ به الأمـة من تتابع الفتن تتابع القطر، وكان آخرَها المحنةُ بِهذه الحرب الصليبية الهوجاء؛ التي كشف بها الأعداء لأهل الإسلام عن ساق العداوة، وأطلت بسببها أفاعي النفاق من أبناء جلدتنا من جحورهـا، وتَبــَدّى الأدعياءُ في ثياب جِنانِ العِلْمِ وتَحلَّوْا بِحُلِيِّ حُورِها، يُلَبّسون على عباد الله أَمْرَ دينهم، ويصدونَهم عما افترضه الله تعالى عليهم بِذَرِيعَةِ التخوُّفِ على مصالحهم، فالأمة تُذْبَحُ اليوم بِفَتاوِيهم، وتُهانُ كَرامَتُها بِجُرْأَتِهِمْ!!، فلو خُلِّيَ بينهم وبينها لقتلوا فيها الحمية الدينية والغيرة الإيمانية، ولجرُّعوها كؤوس المذلة والحرمان، فكان الحَجْرُ على أمثالهم صيانةً للعقول والأديان، أولى من الْحَجْرِ على السفهاء والمرضى صيانةً للأموال والأبدان.
ومما ضاعف البلاء وعظّم الابتلاء أن سُخّرت لهؤلاء الزّمْنَى كلُّ آلةٍ ووسيلة، وأُعْمِلَتْ فِي تَرْويجِ أباطيلهم كلُّ مكيدَةٍ وحِيلة، أما دُعاةُ الحق - وهم كثيرٌ ولله الحمد في كل بلد ومصر- فبين خائف يترَقَّب، ومقموع مقهور، وثالث يحولون بينه وبين إيصال الحقِّ إلى الخلق، والناس إلا من رحم الله رِعاعٌ تنطلي عليهم الحِيَل، ويظنون أن من كثُر ظهوره على المنابر، وسُوِّدَتْ بِما يكتب وجوهُ الصحائف والدفاتر، فهو العالم النِّحْريرُ الذي لا يُشَقُّ له غُبَار، وإن كانَ فِي طَيِّ ما يَتَفَوَّهُ به العار والنار، فإلى الله وحده المشتكى من غُرْبة على غُرْبَة، فمن كان نائحاً فلينُح على الدين وأهله، ولئن طالت بأمة الإسلام حياةٌ وكَتَبَ الله لَها أن تتذوق حلاوةَ النصر والظفَر، وتتقمص قُمصان العزة والكرامة لتَبكينّ غُرْبَتَنا هذَه بالدِّماء لا بالدمُوع، ولتَسْتَعيذَنَّ بالله أنْ يكونَ لَها إلى مِثْلِ حالِنا هذه نُكُوصٌ أو رجوع.
ومَن ركبَ الثورَ بعدَ الجوا دِ أنكرَ أظلافهُ والغبب
فلما أجلْتُ قداحَ النظر فيما صرنا إليه، رأيت لزاماً على كل غَيُورٍ على حُرْمَةِ الدين ألا يَدَعَ فِي حَوْزَتِهِ سهماً يقدِرُ بِرَمْيِهِ على نَصْرَةِ الدين إلا رَمَى به وإلا عادَت السهامُ وبالاً عليه.
وكان من المقرر في الشرع المطهر أن التواضع وخفضَ الْجَنَاح إنَّما هو لعباد الله المؤمنين، وأما أعداءُ الدين وحلفاؤُهُم من المثَبِّطِينَ المُخَذِّلِينَ المرْجِفِينَ؛ ومن يعملُ على شاكلَتِهِمْ مِنَ المتعالِمِينَ المبطلين فإن المرء والله نِعِمَّا يقول على رؤوس الملأ منهم (ها أنا ذا) ذباً عن الشرع الحنيف، ورعايةً لحرمته، وإعلاءً لكلمته، ورفعاً لرايته، وقمعاً لعدو الدين، ودحراً للمعاندين، وتكبيتـاً للمُخَـالِفِينَ، والمعوَّلُ عليه في كل هذا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم (إن أتقاكم لله وأعلمَكُم بالله أنا)، وقولُه عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
وأعوذ بالله تعالى من دعوى فَجّةٍ يكون علي وزرها، وإنني إذ أُسَطِّرُ ههنا ما أُسَطِّرُ وأَرْجُو بِهِ أنْ يكونُ قُرةً لعُيُونِ أَهْلِ الغربة في الدين، وذرَّ رماد في عيون الخالفين، لأقرُّ إقرار مُعْتَرِف بذنبه بِقُصُورِ الباع وقلة البِضاعة، على أنني أسأل الله تعالى أن يجعل ما فتحَ عليّ به سبحانه مباركاً كالماء الطهور لا يضرُّهُ شيئٌ على حَدِّ الوارِدِ فِي حديث بئر بُضَاعة، ولئن جَرَتْ ألسنةُ بعض الإخوان عفا الله عنهم بما لست له أهلا فإنما هو لِحُسْنِ ظنهم بِي، وأدعوه سبحانه أن يبلغني ما يرجونه فيّ، وأن يَجْعَلَنِي خيرا مما يظنون، وأن يغفرَ لِي ما لا يعلمون، وأن يفتحَ لِي من العلم كنوزاً وكنوزا، فلست أنازع بحمد الله تعالى بأن ما أَجْهَلُهُ أكثرُ مما أَعْلَمُهُ، وفوقَ كل ذي عِلْمٍ عليمٌ؛ فيارب زدني علما.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:48 PM | رسالة # 2
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
فأقول بياناً للمقصود، مستعيناً بالله الواحد المعبود:
خادم العلم وأهله أبو الوليد خالد بن فتحيِّ بن خالد بن حسين بن قاسم بن خليل بن خالد بن محمد بن حسين بن إبراهيم الآغا الغزّيُّ الأنصاري، ولدت فجر الاثنين الثانيَ عشر من ربيع الأول – وهو بحمد الله يوافق المشهور من مولد النبي صلى الله عليه وسلم – سنة (1386) في غزة هاشم من الأرض المباركة ردها الله وسائرَ بلاد المسلمين إلى المسلمين من أبوين كريمين يرجع نسبهما إلى أسرة كان جدها الأكبر يسكن حلب الشام، وكان وزيراً في الدولة العثمانية يدعى الآغا إبراهيم، والآغـا لقبٌ مَنَحَتْهُ إِياهُ الدَّوْلَةُ العلِيَّةُ ويعني (السيد أوالشريف)، وسَمِعْتُ مِنْ بَعضِ رفاقِنا من التُّرْكِ أنّها تُطْلَقُ على صاحِبِ الأموالِ والأملاك، وفِي العَجَمِ يَزْعُمُ كَثيرُونَ مِن حَمَـلَةِ هذا اللقَبِ أنهُ للـدلالَةِ علَى السادَةِ مِن أهلِ البَيتِ ولَدِ النبيِّ صلَواتُ اللهُ وسلامُهُ عليه، وما ذَكَرْتُهُ عن الجدِّ المذكُورِ سمعتُهُ من نحو عشرين عاما من بعض كبارنا نقلاً عن كتاب (إتحاف الأعزة في تاريخ غزة) لعثمان الطباع رحمه الله، وذكر أن الكتاب مخطوط في بعض المكتبات التركية والله أعلـم، ثم اطلعت في كتاب أعلام فلسطين ل(عادل منّاع) أن مخطوطَ الكتاب موجُودٌ عند ورثة المصنف في قطاع غزة، والله أعلم، وأما أصولُنا فتعودُ إلى نَجْدٍ، وتَفْصيلُ ذلكَ أذكُرُهُ في مَوْطِنٍ آخَرَ إن شاءَ الله، ولهذه القبيلةِ تاريخٌ حافلٌ في الشام وفلسطين، وكثيرٌ من رجالاتِها يشاركون في الحكم مِنْ زَمَنِ العثمانيين، وخاصةً في غزّةَ وخان يونس، كما ينتسبُ إليها جماعات من العلماء والصالحين، والله أعلم.
وكان جدي لوالدي رحمه الله وسَمِيِّي وكلانا سميُ سيف الله المسلول رضي الله عنه يدعونِي منـذُ ولادتي (بالشيخ) كما سمعتُهُ مِن الوالد مراراً فكان هذا من حُسْن الفأل ويُمْنِ الطالع ولله الحمد والمنة.
وبعد احتلال أعداء الله اليهود لعنهم الله غزةَ وبقيةَ بلاد فلسطين عام(1967 م) هاجر بنا الوالد أعزه الله الى أرض الحجاز وللمترْجَمِ من العُمُرِ دون العامين، فنشأت هناك حتى فرغـت مـِن جميع مراحل الدرس النظامي، وكان الوالد أحسن الله إليه شديدَ العناية بي مُنْذُ الصغـر، أقرأني كتابَ الله تعالى ولي من العمُرِ نحوُ عشر سنين، وحفظتُ منه ما تيسر حتى فرغت من حفظه بعد ذلك في مدة يسيرة ولله الحمد، وكان مما نفعني الله تعالى به أن حَبَّبَ إلي القراءة والمطالعة واقتناءَ الكتـب منـذُ الصغر، وكان هذا من حُسْنِ تدبير الوالد أثابه الله، فطالعْتُ منَ الكتب التي تُناسِبُ مراحلَ العُمُرِ نحوَ ألفي كتاب أو يزيد، وكثيرٌ منها في أخبار الصحابة والتابعين والسير والمغازي والفتوح، فأكسبَنِي هذا مَلَكَةً حَسَنَةً فِي الإنشاء ولله الحمد، وكنت شديدَ الميل لعلوم اللغة والأدب والشعر، أرغبَ في علوم الشريعة مني في غيرها، حتى صَنَّفْتُ كتاباً ولي من العمر نحوُ ستة عشر عاما عنوانه (الترغيب والترهيب في الكتاب والسنة وأَثَرُهُما في تَقْويم النفوس) يكونُ فِي نَحْو مئة صفحة من القِطْعِ الصغير أثنَى عليه كلُّ من رآه والحمد الله على فضله،ورُمتُ في تلك المدة قَرْضَ الشعر؛ فنظَمْتُ قصيدةً طويلة لم يُبْقِ منها عارضُ النسيان غيرَ بيتين من مطلعها
علمتُ بأنَ دينَ الله باق
به يُبْنى لنا المجدُ التليدُ

فعادتْ بالرِّضا أغوارُ نَفْسِي
رياضاً إذْ عَلِمْتُ بِما أريدُ

وقد ضمنتها ليلَ الألم وفجرَ الأمل حملني على كتابتها ما كان يترامى إلى سمعي من جـراح أُمَّتِنَا، ولَيْتَنِي وَجَدْتُ يومها من يعجِّل بِي إلى الخير الذي حُزْتُه فيما بعدُ؛ لكنه أمر الله تعالى وكل شيء عنده بمقدار.
ورزقني الله تعالى بفضله منذ نعومَةِ أَظْفاري حافِظَةً حَسنةً؛ فكنت لا أسمع درساً أو خطبة جمعة إلا وحفظتها حفظاً لا يكاد يفوتُ معه شيء وأذكر أنني سمعت مرةً من المعلم درساً في شرح حديث (سبعة يظلهم الله بظله ) في نحو عشر صفَحَات، ثم قرأت الشرح مكتوباً مرة أو مرتين، وبقي عالقاً بعد هذا بذاكرتي حتى ألقيته درساً بعد صلاة العشاء في بعض مساجد مكة المكرمة بعد نحو خمـس سنين، وأذكر قبل هذا درساً ألقيته بعد صلاة الظهر في أحد المساجد في شرح حديث (يؤم الناس أقرأهم لكتاب الله) ولي من العمر يومها نحو عشر سنين أو يزيد قليلا.
وكان هذا مما صنع الله لي، فإنه كان خير مُحَرِّضٍ ودافع بعد فَورَةِ أيام الصبـا علـى الاجتهاد في طلب العلم وتحصيله، والرحلة في لقاء المشيخة والأخذ عنهم واستجازتهم، فوجدتُ لَعَمْرُ الله لـذلك حلاوة لا يعرفها إلا من أسند الركب إلى الركب، ومشى في حرّ الهجير قصد الطلب وركب، ولزمت بعد الفراغ من الدراسة النظامية – وكنت قد التحقت بالجامعة في إحدى الكليات العلمية – حِلَـقَ العلم نحوَ سنتين وكان أكثرُها في حِلَقِ متقدمي الطلبة، فأفدت منها مبادئ العلوم خاصة من كتـُبِ العلامة ابن القيم وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكتب العلامة الألباني رحمهم الله على ما جرت به عادة الطلاب في تلك البلاد، وهذا مع الانشغال بالأسفار للدعوة، والأمر بالمعروف والنهـي عن المنكر، وإلقاء الدروس والمواعظ والخطب، ولله الحم
د.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:52 PM | رسالة # 3
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
وفي أوائل العامين المذكورين وقع في يدي كتاب (الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان) للشيخ المجاهد أبي محمد عبدالله عزام رحمه الله، وكنت قد سمعت قبل هذا عن الجهاد الأفغاني عام(1400) فشدّني ما ذكره الشيخ في الكتاب، وكان ذلك أوائل عام (1405) ثم ثَنَّيْتُ بِمُطالعـةِ كتابِهِ (آيات الرحمن) فأعجبني الكتابان وآنَقْنَنِي وراعَنِي أنْ لازالَ فِي المسلمين من يَحْمِلُ راية الجهاد في سبيل الله، وكنت أحسبُ أنْ لا وُجُودَ لِهذا إلا فيما كنت أقرأه في كتب السير وأخبار الفتوح أيام الصبا!، فَعَزَمْتُ على التوِّ على تَرْكِ الدراسة والرَّحِيلِ مهاجراً إلى الله تعالى وللجهاد في سبيله، وشاء الله تعالى في هذه المدة أن أتعرف إلى فضيلة أخينا الكبير العلامة الشيخ شمس الدين السلفي الأفـغاني، وهو من ولاية كونر في أفغانستان، حدثنا أن والده كان يعتني به في طلب العلم منذ الصغر، وكـان يعلمه الخطبة على المنبر وله من العمر سبع سنين أو نحوها، وقد أَطْلَعَنَا على بعض مصنفات له بالعربية وله من العمر دون العشرين، ومن تصانيفه المشهورة كتاب له في الرد على عقائد الماتريدية، وكتاب آخر في جهود علماء الأحناف في محاربة الشرك والبدعة، فكنا نقصـده بالزيارة ومعنا بعض كبـار إخواننا من الطلبة وعلى رأسهم الشيخ أبو دجانة محمد بن عثمان المصري رحمه الله، ونمكث عنـدَهُ أياماً بين المدة والمدة فِي مَكْتَبَتِهِ العامرة بالمدينة المنورة، فأَفَدْنَا منه ومن مكتبته رحمه الله، وممـا كـان يقصه علينا من أخبار الجهاد والمجاهدين وأضرم فيّ نيران الشوق إلى الرحيل، وقدر الله عزوجل أن يتأخر الرحيل إلى أوائل عام (1407)، وكنت قبل سفري بأشهر يسيرة قد لقيتُ الشيخَ أبا محمد عزام فحدثته بما عزمت عليه فأرشدنِي وإرشادُهُ أمرٌ رحمه الله إلى الطريق الذي يَنْبَغِي أنْ أَسْلُكَهُ وساعدنِي في تيسير بعض أسبابه
وكان ما كان مما لستُ أذكره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر
ولما وصلت إلى الثغور لم أكن أملك ولله الحمد إلا نفساً تواقةً إلى العلم وأهله والجمع بينه وبـين الجهاد في سبيل الله تعالى، وكنت قد خلَّفْتُ ورائي مكتبةً صغيرة لم يبقَ منها بين يـدي اليوم غـير كتاب الروح لابن القيم رحمه الله، إلا أن الله تعالى أحسن إِلَيَّ فَرَزَقَنِي عِوَضاً عنها مكتبةً أُخْرَى بَعَثَ بِها إليَّ بعضُ الإخوان بعدَ شهرين من سفري هي نواةُ مكتبتي العامرةِ اليومَ فَلِلَّهِ الحمدُ والمنة.
وكان من أعظم ما يشغل بالي أن لا أنقطعَ عنِ الطلب، وسألتُ الله جل وعلا أن يجمعَ لي بين شرف العلم وشرف الجهاد في سبيله، وزادني حرصاً على متابعة الطلب أني لما قدمـت إلى الثغـورِ وجدتُها مضطربة تموجُ مَوْجَ البحر بالمناهِجِ والجمَاعاتِ والأَفْكارِ، والعلمُ فيها قليلٌ لا يكادُ يُذْكَرُ، إلا ما كان من الشيخ أبِي محمد عبدِ الله عزام رحمه الله، فكنت مع هذه العواصـف الهوجاء كالسنبلـةِ تُميلها الريح تارة وتستقيم أخرى، بيد أني أقول تحدثاً بنعمة الله تعالى: لقد منّ الله سبحانه علي منذ النشأة الأولى في الطلب فتشبعت بمذهب السلف أهل الحديث رحمهم الله، وسلكتُ سبيلَهُم عقيـدةً وعلما وعملا، وما أعلم شيئاً بعد الشرك بالله تعالى أبغضَ إليّ من التقليد لأحَدٍ مِنَ الخلق كائناً مَـنْ كان، فمن زَعَمَ شيئاً رَدَدْتُهُ عليه إلا بدليل من الكتاب والسنة، وحملني هذا على أن انْتَبَذْتُ مِنْ كـل تلك المناهجِ مكاناً قَصِيًّا يُمَكِّنُنِي من عَرْضِ أصولها ومُفْرداتِها على مَحَكِّ النقد على قَدْرِ ما يفتح الله به علي لِيَظْهَرُ لِي سانِحُها من بارِحِها، وليتميَّزَ عندي خطؤُها من صوابِها، وكثيراً ما كانت تعرِضُ لي مسائلُ تُشْكِلُ عَلَيَّ وَتُطْرَحُ علَى أنَّها مِنَ مُسَلَّمَاتِ الشرع التي لا تَقْبَلُ نظراً ثانيا !؛ فما كنت أقبـلُ ذلك بل أجعلُها قَيْدَ البحث والنظر حتى يفتحَ الله عَلَيَّ فيها ولو بَعْدَ سنين، فكان فَضْـلُ الله عَلـَيَّ عظيما إذ سلمني من الوقوع في سبل كل منها مَدْحَضةٌ مَزِلَّـة، وهدانِي برحمته إلى التي هـيَ أقومُ، وزادني نوراً على نور بما فَتَحَ لي من أبواب العلم والخير، وكنتُ كلما اسْتَنَنْتُ فِي رياضِهِ شوطاً أَوْ شوطَيْنِ ازْدَدْتُ مَعْرِفَةً وبصيرةً، وتجلَّتْ أمام ناظريَّ الحقيقةُ واتضحَتْ معالِم الرؤية، فالحمدلله ثم الحمد الله.
وتوفي بعد وصولي أرضَ الهجرة بأشهُرٍ يسيرة العلامةُ المحـدث الشيخُ محمـدُ عطاءُ الله حَنِيـفُ الفُوجْيَانِيُّ السلَفِيُّ صاحِبُ التعليقات السلَفِيَّةِ على سُنَنِ النسائي، وكانَ بعضُ الإخوان قدْ أَخْبَرَنِي بِمَرَضِهِ عندَ وُصُولِي، فآلَمَنِي خَبَرُ وفاته وأنْ فاتنِي السماعُ والإفادةُ منه والله المستعان.
ثم هيأ الله تعالى لي بفضله جملةً من الأسباب التي أعانتنِي على الجمْعِ بين الشرفين، ولقيتُ العشراتِ من العلماء وطلابِ العلم، فجالَسْتُهُم وانتفعتُ بِهم وتَلَمَّذْتُ لِعَدَدٍ منهم، ومنهم مَن اسْتَجَزْتُهُ، وأنـا أذكر منهم هنا من تَيَسَّرَ لِي ذِكْرُه علَى وَجْهِ الاخْتِصارِ، أما استيعابُ تراجِمِهِمْ فَفِي موضِعٍ
آخـرَ إن ش
اء الله.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:53 PM | رسالة # 4
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
فمنهم: أستاذُنا وبركتُنا وقدوتُنا في العلم والعمل الشيخُ العالم المجاهدُ أبو محمد عبدُالله بنُ يوسفَ عزام رحمه الله، سمعتُ منه دروساً في أبواب الطهارة والصلاة على مذهبِ السادة الشافعية نحوَ شهر ونصف شهر في بعض الثغور أوائلَ الهجرة، وأفدتُ منه فوائدَ جَمَّةً في مجالسَ متفرقةً بعد ذلكَ إلـى مَقْتَلِهِ رحِمَهُ الله، وما أَفَدْنَا منه في العَمَلِ خيرٌ مما أفدْنا منه في العلـم، فقد كان رحمـه الله رأساً فيه، جَمَعَ الله له بين العلم والعمل وحُسْنِ الأخلاق، صواماً قواماً، كثيرَ التلاوة والذكر، حافظاً لكتـاب الله، سهلَ الخُلُق، سمحاً ليناً، بشوشاً فِي وُجُوه أصحابه، يظن كلُّ من لَقِيَهُ أنه أحب الناس إليه، يُسِيءُ الناسُ إليه وهو يُحْسِنُ إليهم، قال لِي مرة وقد بلغ أذى الناسِ مِنْهُ مبلغاً فِي دينِهِ وأمانَتِهِ وعِرْضِه: (قد تصدَّقْتُ بِعِرضِي عَلَيهِمْ فليقولواٍ ما شاؤا، إنما يُريدُون أَنْ يَصُدُّونِي عن الجهاد في سبيل الله ولن أفعل) !، فلو حَلَفْتُ بين الركن والمقامِ أَنَّنِي ما وَقَعَتْ عينِي علَى مثلِهِ لما حَنَثْتُ إن شاء الله تعالى، وليسَ هـو بالكامل؛ بل شأنُه شأنُ البشر يُؤْخَذُ مِنْهُ ويُرَدّ، وله هَنَاتٌ مغمورةٌ في بَحْرِ فضله مع ما خُتِمَ له من القتل مجاهداً مهاجراً رحمه الله وتقبله عنده شهيداً وجمعنا به في جنات عَدْنٍ سبحانه.

ومنهم: شيخنا العلامة النظارُ اللغوي النحوي الأصولي الفقيه المفسر العلامة أبو المعالي نقيب أحمـد الدِّيرِيُّ الرِّبَاطِيُّ السلفيُّ المتوفى رحمه الله عن نحو خمسة وسبعين عاماً أو يزيد.
وهو من شيوخ العلامة شمس الدين الأفغاني رحمه الله، أَفَدْنا مِنْهُ نحوَ أربع سنين وبه تَخَرَّجْنا، فكان لنا بين الشيوخ كالوالد وبقيتُهم كالأعمام؛ حاشا شيخَنا أبا محمد عزام رحمه الله تعالى، وكان رحمه الله حادَّ الذهن، سَرِيعَ البَدِيهَةِ، حاضِرَ الجواب، صاحِبَ دُعَابَةٍ وطُرْفَة، مَهيباً وَقُوراً، واسعَ الاطلاع، جيدَ الْحِفْظِ، كثيرَ الاسْتِحْضارِ لشواهِدِ الشعر، لا يُنْفِقُ شيئاً من وَقْتِهِ في غير المطالعة والدرس، ويقول لنا: (لا أتصورُ حياتِي من غير مُطالَعةٍ وكُتُب، وما أعلم يوماً وضعتُ فيه الكتابَ منْ يدي قبلَ منتصف الليل)، وله مكتبةٌ تَبْلُغُ نحوَ عشَرَةِ آلاف مُجَلَّدٍ لم يَزلْ عاكفاً على الإفادة منها إلى وفاته رحمه الله، وكثيراً ما كان يُتْحِفُنا في الدرس بِغُرَرِ النقول وفَرائدِ الفوائدِ، وكان يَتَحَسَّرُ على قضاء وقته في تدريس العجَم من الطلاب ويقول: (لا ينتفعون بِي كما ينبغي)، أوصانا غيرَ مرَّةٍ بتدريس ما نقرؤُهُ عليه من الكتب، معَ مطالعة كتب أخرى في الفن نفسِه، فبذلك يتمكن الطالبمن العلم وتتسع مداركُه.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:53 PM | رسالة # 5
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
وهذا قيد بما قرأته عليه رحمه الله:
1- علم أصول التفسير من إملاءه في مجالس عدة.
2- تفسير الفاتحة وجزء من سورة البقرة في نحو شهرين، وله طريقةٌ في التفسير كثيرة الفوائدِ لكنها مطولةٌ جدا، حدثنا أنه خَتَمَ بِها تفسيرَ القرآن في مدة أربع سنينَ لخمس ساعاتٍ يومياً!
3- الورقاتُ في أصول الفقه بشرح شيخنا رحمه الله.
4- (روضةُ الناظر وجَنَّةُ المناظر) في أصول الفقه لابن قدامة رحمه الله، وأملى علينـا فيها كثيراً من الفوائد رحمه الله.
5- متنُ الدرَرِ البَهِيَّةِ فِي الفقه للشوكاني رحمه الله بشرح شيخنا.
6- متن الرَّحْبِيَّةِ وشرحُها في علم الفرائض وضبطُها قراءةً واعراباً على الشيخ.
7- الرسالة الحَمَوِيَّةُ لشيخ الإسلام ابن تيمية.
8- الرسالة التدْمُرِيَّةُ له أيضاً وكلُّها في إثبات اعتقاد أهل السنة.
9- ألفيةُ ابن مالك بشرح ابن عقيل، وقرأت في المدة نفسها أو قريباً منها قطعةً نحوَ النصف من كتاب (قطر الندى وبل الصدى) لابن هشام على بعض الأساتذة.
وكنت مدة القراءة على شيخنا ولله الحمد عاكفاً على مطالعة كتبٍ رديفَةٍ لما نقرأه عليه من الفنون، وجعلت لبعض الفنون منها كناشةً أقيد فيها خلاصة مباحث الفن وأضيف إليها شواردَ الفوائد المرة بعد الأخرى، كما صنعت في عِلْمَيِ الأصول ومُصْطَلَحِ الحديث، حتى اجتمع من الفوائد في كلٍّ منهما ما يجيئُ في مجلد حافل ولله الحمد، فطالعت في مدة القراءة في الورَقَاتِ والروضة أصولَ خلاف وزيدان ومذكرةَ الشنقيطي وشرحَ المحلي للورقات وإرشادَ الفحول للشوكاني مطالعة تامة، ولخَّصْتُ جميعَ مباحثِها أو أكثرَها ولله الفضل وحده سبحانه.
وقد أجازني شيخنا رحمه الله دراسة وتدريسا وكتب لي إجازةً بيدِهِ الكريمةِ جعلها الله تعالى في ميزان حسناته ورفع بها درجته إنه تعالى بر رؤوف رحيم.
وبعد أن وقعت المحنةُ بِهذه الحربِ الصليبية حاولْتُ الرحلةَ إليه للاغترافِ مِنْ مَعِينِ فَضْلِهِ، وعَقَـدْتُ العزْمَ على قراءَةِ الْمُحَلَّى لابن حَزْمٍ رحمه الله بِتَمامِهِ علَيْه، بعدَ أنْ منَّ الله تعالى بقراءة الكتاب وتقييدِ فوائده، لكن حالَ بينِي وبينَهُ عوارضُ الأيام وسِهامُ الْمِحْنَةِ حتَّى أتاهُ اليقينُ ورحَلَ عن هذه الدنيـا الدَّنِيَّةِ إلى سعة الله ورحمته، فرحمه الله ورضِيَ عنه؛ ولَعْنَةُ الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
ولما عزمت على الرحلة إليه رأيت فيما يرى النائم أنني أقفُ وإياهُ إلِى جدار قصيرٍ في قرية من القرى، وفي يدهِ صَحْفَةٌ من الحلْوى، فوضَعَها بَينَ يدي على الجدار، ثم قال لي: بَقِيتْ أربعُ سنين ! وانصرف عني، فوقعَ في نَفْسِي أنه الأجل، لكننِي كنت أدافعه عن خاطري طمعاً في لقائه رحمه الله، وصدقَت الرؤيا والله، وماتَ الشيخ رحمهُ الله لأربع سنواتٍ مَضَيْنَ منها وأَبْقَى في القلب لوعةً وحسرةً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وحرّرتُ كتاباً بعثت به إليه؛ وصله قبل وفاته بنحو عامين ضمنته نظمَ قصيدة أتشوق بها إليه، وأستفتيه في جملة من المسائل، وهو كتاب مطول أذكره في (الشموخ في فوائد وأسانيد الشيوخ) إن شاء الله تعالى، وهذه أبيات من مطلع القصيدة:
إلى المقدام ذي القِدْحِ المُعَلّى
سميِّ البدر إنْ بدرٌ تجلّى

إلى شيخي الجليلِ أبي المعالي
إلى من جاوزَ العلياء فضلا

سلام الله أبعثه إليكم
وبالبركات بالدعوات تُتْلى

وبالأشواق تحدُوها الأماني
إلى لُقْياكُمُ أهلاً وسهلا

تُذَكِّرُنِي عُهُوداً خالياتٍ
شَرِبْنا صَفْوَهُنّ الشهدَ نهْلا

نُرَوِّي من فضائلكم ظمانا
فهلاّ عُدْنَ بعدَ اليوم هلاّ ؟!

ومحلُّها بتمامها
حيث ذكرت وبالله
التوفيق.

http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:54 PM | رسالة # 6
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
ومنهم: العلامة النحرير ابنُ كَثِيرِ عَصْرِهِ؛ شيخُ الحديث والتفسير، الشيخُ أبو زكريـا عبدُ السلام بنُ عبد الرؤوف الرستمي مصنفُ الموسوعة القرآنية المسماة ب (الفرائد الربانية والفوائد القرآنيـة) في أربع مجلدات كبار، وغيرِها من المصنفات النافعة، قرأت عليه تفسيرَ القرآن الكريم على الطريقة المتبعة عندَ عُلَماءِ هذه البلاد التي وضع أصولَها وقواعدَها العلامةُ الإمامُ الشاه ولي الله الدهلوي رحمه الله، ثم أجازني بعد الفراغ منه إجازة مسندةً ولله الحمد، ثم قرأت عليه أطرافاً من الصحيح للإمام البخاري، ومن السنن للدارمي، ومن الموطأ لمالك رحمه الله، وغيرَهُ مْنْ كُتُبِ السنن، وأَمْلَى عليَّ إسنادَ صحيح البخاري إملاءً، وأجازني بروايةِ كُتُبِ الحديثِ والسنة مِنْ طريقِ الإمام الدهلوي المذكور.

ومنهم: العلامة المفسِّرُ المُعَمِّرُ الشيخُ التَّقِيُّ الْخَفِيُّ الصالِحُ إكرام الدين البَدَخْشِيُّ السلِفِيُّ له مُصَنَّفٌ فِي التفْسير بالعرَبِيَّةِ يبلغُ نَحْوَ عَشْرِ مجلدات أو يزيد، أطَلَعَنِي على بعْضِ مَخطوطاتِهِ لما زُرْتـُهُ مِن نَحوِ تِسعِ سنينَ؛ وكانَ وقْتِها يَكْتُبُ في الأجزاءِ الأخيرَةِ منه، و لَهُ كتبٌ أخرى منهـا؛ كتـاب (الباحث عن حقيقة البدع والحوادث) بالعربية أيضا، قرأت عليه أوائلَ الطلَبِ تفسيرَ الفاتحة وسورة البقرة بتمامها ولله الحمد، وعلمَ الفرائض إملاءً فِي العِلْمَيْنِ مِنْ حفظِه!، ولشيخنا إجازَةٌ في التفسيـر من الشيخِ مُحَمَّد طاهر الفنْجْفِيرِيِّ رحمه الله كما أخْبَرنا بذلك الشيخُ، وهو بإسناده إلـى الشيـخ الدهلوي رحمه الله.

ومنهم: الشيخ العالم الحافظ حميدُ الله البدخْشي السلفي رحمه الله، المتوفى في نحو سنة 1411 عـن عُمُرٍ يُجَاوِزُ الثمانين عاما، وهُوَ الذي يُنْسَبُ إلَيْهِ الفضْلُ في نَشْرِ الدعَوَةِ السلَفِيَّةِ في بَدَخْشانَ منْ بلادِ الأفَغان؛ وكان رحمه الله يستَظْهِرُ صحيح البخاري حِفْظاً، كما أخبرنا بذلك عـن نفسه، وِمنْ تصانِيفِهِ بالعَرَبِيَّةِ كما أخبَرَنِي: ماءُ الحياةِ في شَرْحِ حديثِ إنما الأعمالُ بالنيات، قرأنا عليه قطعةً من نُزْهَةِ النظر في شرح نخبة الفِكَر مع حاشيةٍ عليها لبعض علماء الهند وشافهَنا بالإجازة بِها مسندةً إلى الحافظ رحمه الله، وكانت النيةُ معقودةً على الشروع في قراءة صحيـح البخاري عليه، إلا أن المنيّة حالت دونَ بلوغِ الأمنية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
فهذه الطبقَةُ هم أولُ من تَلَقَّيْتُ عنهم أوائلَ الهجرة ولله الحمد، ثم ارْتَحَلْتُ في نحو (1414) إلى بلاد (السند) وأخذت هناك عن:
العلامة الكبير خاتمة المحدثين في هذه البلاد، شيخِ العربِ والعجم، المحدثِ المسندِ المفسرِ الشهير، الذي طارت بذكره الأمصار، وضنت بِمِثْلِهِ الأعصار، صاحبِ التصانيفِ الشهيرة الشيخِ أبِي محمد بديـع شاه الراشدي السنديِّ الظاهرِيِّ رَحِمَهُ الله، وكنتُ لقيته قبل ذلك عام 1407 وعقدتُ العـزم مـن حينها على الرحلة إليه، لكن حالت دون ذلك عوارض هي للساعات والأيام قوارض، وأنــا أسَوِّفُ في الرحلة إليه، وأقول: عساها أن تكون غداً أو بعد غد، حتى شاء الله أن تكون في السنة المذكورة، وهذا بيان لما قرأته عليه:
1- نخبةُ الفِكَر في مصطلح أهل الأثر للحافظ بن حجر رحمه الله .
2- الواسطيةُ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
3- قطعةٌ في أصول التفسير تكونُ في نحوِ مئة صفحة، وهي مقدمة كتابِهِ بديع التفاسير، وقدْ دَفعَ لي صُورَةَ مَخْطُوطَتِها المُتَرْجَمَةِ بالعرَبِيةِ؛ وتقعُ في نَحْوِ أرْبَعمائةِ صفحَةٍ من القطعِ الكبيرِ بخطِّ بعضِ تلامِذَته.
4- أجوبتُه عن جُمْلَةٍ من المسائل التي كنْتُ قد سألْتُهُ عنها تكون في نَحْوِ عَشْرِ صفحاتٍ أكثرُها فِي التقليدِ وفُرُوعِه.
5- صحيحُ البخاري؛ قرأتُ عليه قِطْعَةً من أولِه لعلها تكونُ إلى كتابِ العلم.
6- وقرأت عليه أطرافاً من بقيةِ الكتب الستة، ومستدْرَكِ الحاكم رحمه الله، ثم استجـزْتُهُ فأجازنِي، ودفَعَ إليّ ثبته المسمى بـ (مُنْجِد الْمُسْتَجِيزِ بِروَايَةِ السنة والكتابِ العزيز) كما دفعَ إليّ بعضَ تصانيفه المخطوطةِ رحمه الله ورضي
الله عنه.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:54 PM | رسالة # 7
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
وعن العلامة الشيخ المحدث أبي القاسم محبِّ الله الراشدي السندي السلفي الشقيقِ الأكبر للعلامة الشيخ أبي محمد السابق الذكر وأستاذِه أيضاً، وهو فَحْلٌ من فُحُولِ العلم في هذه البـلاد حتّـى إن المشهور بين العلماء وطلاب العلم فيها أن العلمَ له والشهرةَ لأخيه، قرأت عليه أطـرافاً من الكتـب الستة، وأفدتُ منه فِي جُمْلَةٍ من المسائل قَيَّدْتُ جَوابَهُ عليها، واستجَزْتُهُ فأجازني إجازة عامة شاملةً، وناولنِي ثبت الإجازة بيدِه ودفَعَ إليّ بعضَ تصانيفِهِ المخطوطة رحمه الله.
وهذان العلمان الشيخ أبو محمد والشيخ أبو القاسم رحمهما الله هما أجل من أروي عنهما من علماء هذه البلاد وأسانيدهما من أعلى الأسانيد، حدثني بعض تلامذة الشيخ أبي محمد قبل سنـين عدة أن بين الشيخ وبين النبي صلى الله عليه وسلم نحوَ ستةَ عَشَرَ راوياً من بعض الطرق والله أعلـم، ولشيخنا أبي محمد إسنادٌ إلى البخاري مُسَلْسَلٌ بالأئمة الحنابِلَةِ ذكره في المنجد رحم الله الجميع.
ثم كتبت في طلب الإجازة إلى جماعة من علماء الأمصار في نجد والحجاز وبلاد المغـرب الأقصـا فأجازني جماعةٌ من علماء المغرب وصلنِي بعضُها وفُقِدَ الآخر فِي الطريق، أما علماءُ نجد والحجاز فقد انقطع الخبر بانقطاع الصلة بالرسول والله أعلم، فَمِمَّنْ أجازنِي من علماء الْمَغْرِبِ:

الشيخ العالم العدل الناسك المقرئ المشارك محمدُ الطيِّبُ بنُ محمد المهدي بن محمد بن عبد الكبير الكتاني الإدريسِيُّ الْحَسَنِيُّ، كذا نقلته بحروفه عن غلاف الإجازة الحديثية التي بعث بها إليّ، وهـي محرَّرَةٌ بخط مغربي، أولها بسم الله الرحمن الرحيم، الهادي إلى الصراطِ المستقيم، الحمدُ الله الذي أنـارَ قُلُوبَ العارِفِينَ بِنُورِ اليقين، وأَشْرَقَ صُدُورَ الواصِلينَ بالإخلاص لِرَبِّ العالمين... الخ، ومعها كتابٌ من الشيخ مُحَررٌ يوم الجمعة ثالث شوال الأبْرَكِ من عام 1421، وفي الكتاب قول الشيـخ أعـزَّه الله: وأريد قبل الختام أن ألفت نظر أبي الوليد حفظه الله إلى ضرورة العناية بحفظ كتاب الله عزوجل رواية ودراية، سماعاً ومشافهةً، إلى جانب تفسيره إنسلاكاً في رَوْحانِيَّةِ قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنـَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ على أن يكون ذلك دَأَبَهُ ودَأَبَ كل من يضمُّه مجلسُه العلمي، وكلِّ منْ هوَ مسؤولٌ عَنْهُ من قريب أو بعيد، وبِخاصة منهم فِلْذَةُ كبده السيد الوليد بن خالد حفظه الله وأنبته نباتاً حسناً وجعله على الأثر الصالح الحميد من المشمولين ببركات قول الله تعالى " وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ".
وكنت قد بعثت إلى الشيخ بكتابٍ أسْتَجيزُهُ فيه لنَفْسِي ولابْنِي الوليدِ فأجازنا ولله الحمد، ويَرْوي شيخُنا صحيحي البخاري ومسلم بالإجازةِ العامة عام 1351 عن شيخ دار الحديث النبوية الأَشْرَفِيَّةِ الحافظِ محمدِ بدرِ الدين بنِ يوسُفَ الحسنِيِّ السَّبْتانِيِّ، ويرويهما أيضاً باٍلإجازة العامة عـن الإستـاذ المحدثِ قاضي المدينة المنورة الشيخِ محمد زكيِّ البرْزَنْجِيِّ عامَ 1350. ولِي جوابٌ على جوابِ الشيخ نظماً ونثراً أذكرُهُ فِي (الشمُوخِ) إن شاء الله.

وكتب إليّ بالإجازة أيضا الشيخ الشريفُ أبو محمد الحسَنُ بنُ عَلِيٍّ الكِتَّانِيُّ نفع الله به، حَرّرَ لي الإجازةَ بخطه؛ وذكرَ فيها إِسنادَ الحديث المسَلْسَلِ بالأَوَّلِيَّةِ، وهوحديثُ (الراحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرحْمَنُ، ارحموا مَنْ في الأرْضِ يرحَمُكُمْ منْ فِي السمَاء)؛ فَمِنْ طَريقِهِ أَرْوِيهِ ولله الحمد، كما أَرْوِي مِن طريقِهِ الأربعينَ العَجْلُونِيَّةَ، وبعثَ إليّ مع الإجازة بكتابٍ من تصنيفِهِ وهو (اسْتِلْهَامُ رَحْمَةِ البارِي بِتَرْجَمَـةِ الشيخ عَبْدِالله الغُمَارِي)؛ والشيخُ أثابَهُ الله أَكْبَرُ مِنِّي قَدْراً وأنا أَسَنُّ مِنْهُ كان الله لنَا ولَه.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:56 PM | رسالة # 8
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
ثم أخذتُ عن طبقةٍ أُخرى مِنَ العُلَماء:

فمنهم: الشيخ أبو عبدِ الرحمن عَبْدُ السلام بنُ مُحَمَّدٍ وهو من عُلَماء أَهْلِ الحديثِ؛ ومِـن أكابـرِ تلامِذَةِ العلامَةِ الشيخ محمد يوسف الكوندلِويِّ رحمه الله، قرأت عليه في صحيح البخاري بتجزئة ثلاثة عشر جزءً، المجلسُ الأولُ منها مِن بدايةِ الصحيح إلى كتابِ مواقِيتِ الصلاة مِنْ بعدِ صلاةِ الفجر إلى وقتِ الظهر، وسَمِعَ المجلس بِتَمامِهِ وَلَدِي نَفَعَ الله بِهِ، ثم قرأتُ عليه فِي مجالسَ متفرقَةٍ إلى: بـاب ما يكره من الخداعِ في البيعِ منْ كتاب البيوعِ؛ وهذا القدْرُ نحوُ ثلُثِ الصحيح ولله الحمد.

ومنهم: الشيخ المحدثُ المحققُ أبو عبد الرحمن عبدُ المنان بنُ عبدِ الحق بنِ عبدِ الوارث النورَفُوْرِيُّ، جالسْتُهُ مَرَّاتٍ عدِيدَةٍ، وبَحَثْتُ عليه فِي مسائِلَ مُتَفَرِّقاتٍ، وقرأْتُ عليه نَظْمَ تَرْجَمَتَيْنِ مِنْ تَصْنيفِهِ لاثنينِ مِن شيوخِه، هما: الشيخُ الأميرُ أبو عبدِ الله الحافِظُ محمدُ بنُ فَضْلِ الدين بنِ بَهاءِ الكُونْدَلَوِيُّ، والشيخُ العلامَةُ المحدِّثُ السيدُ عطاءُ الله حنيف صاحبُ التعليقاتِ السلَفِيَّةِ، ثم طلَبْتُ منَ الشيخِ الإجازةَ لي ولولدي فأجازَنا بالروايةِ عنْهُ فيما تَجُوزُ لهُ روايتُهُ؛ ولله الحمد.

ومنهم: الشيخُ أبو النَّصْرُ ثناءُ الله المدَنِيُّ؛ له شَرْحٌ على الترمذي باللغة العربية؛ وغيرُهُ من الكتب، سَمْعْتُ مِن لفظِهِ آخرَ حديثٍ منَ البخارِيِّ وسَمِعَ من لَفْظِي أولَ حديث منه، ثم أجازنِي بالرواية عنه ودفع إليّ ثبته، كما أجازَنِي بِمُصَنَّفَاتِهِ؛ ولله الحمد.

ولي بحمد الله تعالى روايةٌ عن غير منٍ ذكرت من العلماء؛ أستوعبهم مع تراجمهم وأسانيدهم وذِكْرِ ما تَيَسَّرَ مِنْ مُكاتَباتِهِمْ وفَوائِدِهِمْ فِي غَيْرِ هذا الْمَوضِعِ؛ إن شاء الله تعالى.
ولازلت بنعمة من الله وفضل إلى يومي هذا أقصد من أستطيع الرحلة إليه من العلماء والمشايخ على اختلاف طبقاتهم للاستفادة والاستجازة تأسياً بمن مضى من سلفنا رحمهم الله.
وقد فتح الله علي في مختلف مراحل الطلب، وانتهجت لنفسي خطة في التحصيل؛ هي من توفيق الله تعالى أولاً، ومن إرشاد بعض مشايخنا ثانياً، ومما أفدتُهُ من مُطالعة تَراجِمِ العلَماءِ ثالثا؛ أذكرُها هنــا عسى الله أن ينفع بها من شاء من عباده:

فمن ذلك: تقديمُ حِفْظِ الحديث بعد كتاب الله تعالى، فحفظْتُ أحاديثَ مَتْنِ عُمْـدةِ الأحكـام للجمّاعيلي، ونحوَ الثلثين من اللؤلؤ والمرجان فيما اتفقَ عليه الشيخان، وقطعةً مِنْ بلوغِ المرام، ويَسَّـرَ الله لِي حِفْظَ ألفاظِ الحديث النبوي، وكثيراً ما أحفَظُ راويَ الحديث ومَنْ أَخْرَجَهُ بل قلّ حديثٌ قرأتُهُ وغابَ عن حافِظَتِي ولله الحمد، وقَدَّمْتُ العناية بضَبْطِ ألفاظ الحديث النبوي وأسماءِ الرجالِ علــى الشيوخِ ومِن كُتُبِ الفن حتَّى فُقْتُ فِي ذلك كثيراً مِمَّنْ لَقِيتُ مِنَ المشايخِ وفيهم بعضُ مَنْ أَخَـذْتُ عَنْهُ، ولستُ أَدَّعِي طولَ الباع فيه فإنَّهُ بحرٌ خِضَمٌّ ما جاوزت ساحله، وأسأل الله المزيد من فضله، وإنما نفعني الله تعالى بما كنتُ سمعته قديماً من العلامة الشيخِ ابنِ عُثَيمِينَ رحمه الله بإدمان النظر في كتـاب تقريب التهذيبِ للحافظ رحمه الله، ثُمَّ مِنْ شَيْخِنا العلامة أبِي محمد السنديِّ عليه رحمة الله،الذي كان أوصاني بالْمُقابَلَةِ بين كلام الحافظ في التهذيب أولاً ثُمَّ في تقريب التهذيب لأَتَعَلَّمَ من ذلك طريقةَ الحُكْمِ على الرُّواةِ، ثم انتفعت كذلك باستخلاص الفوائد الحديثية والإسنادية وتقييدِها وجمعِها في كناشاتٍ أو بطاقات أو تقييدِها على هوامِشِ الكُتُبِ فاجتمَعَ لي منها آلافٌ من الفوائد ولله الحمد؛ خاصةً مِنْ فَتحِ الباري وشرْح الصحيح لمسلِم والمحلَّى لابن حزم وتاريخ دمشقَ لابن عساكر وتاريخ حلب لابن العديم وشروح السنن كبذلِ المجهود وعونِ المعبود،والأولُ أحسَنُ من الثاني في هذا الباب، وكتبِ مُصْطلَحِ الحديث والطبقات والتراجم، ومِنْ كتب المتأخرين ككتبِ العلامة الشوكاني و عبدِ الحيِّ اللكْنَوِيِّ وأبِي الطيِّبِ البُخارِيِّ والعلامَةِ الألبانِي رحمهم الله وغير ذلك من الكتب، فَتَحَصَّلَ لِي بذلك كثيرٌ مِن الفوائد مِن غيرِ مظانِّها ولله الحمد، ولو فَسَحَ الله لِي في الأَجَلِ ويسرَ لِي جَمْـعَ هذه الفوائدِ وترتيبَها وتبويبَها جاءَتْ فِي نَحْوِ مُجَلَّدَيْنِ؛ وبالله وحده نستعين.
وقدمتُ قراءةَ كتب الأحاديث ومطالعةَ شروحها، المسندةِ منها كالصحيحين، والمسند، والسنن الأربعة، وشرحِ السنن للبغوي، والمنتقى لابن الجارود وغيرها، والجامِعَةِ لمتونِ الأحاديث كالمنتقـى، والمشكاةِ، ورياضِ الصالحين، وصحيحِ الجامع للألباني، وجامعِ المسانيد والسنن في أربعين مجلداً للحافظ ابن كثير رحمه الله، قرأتُ منه نَحْوَ الربع ثم حالَ بيني وبينَهُ الحلُّ والتَّرْحالُ، وكُتبِ الأحاديث المشتهرةِ ككَشْفِ الخَفَاءِ للعَجْلُونِي، والمقاصد الحسنَةِ للسخاوي، وكتُبِ الضعيف والموضوع كالموضوعات الكُبْرَى للقاري، وغيرِها، وعشراتٍ مِنَ الأجزاء الحديثية مع تقييدِ ما عنَّ من الفوائد، وسنحَ من الفرائد في ذلك كلهولله الحمد.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:57 PM | رسالة # 9
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
[وحفظتُ كثيراً من أخبار الرواة ووفياتِهم، وأَعانَنِي على ذلك أَنَّنِي كنتُ ألتقطُ الفائدةُ وأصوغُها نظماً وأحفظُها، فاجتمعَ عندي عشراتٌ من القِطَعِ المنظومة تحوي كثيراً من الفوائدِ فِي مُخْتلِفِ الأبواب.
فمِنْ ذلك نظمٌ فِي اخْتِلافِ العُلَماءِ فِي اسم أِبِي بَكْرِ بنِ عَيّاش، وهذا هو:

اختلفوا في إسم أبي بكر
أعني ابنَ عَيّاش إمامَ البِرّ

فشعبةٌ يُرْوَى عن الزُّبَيرِي
وهو اختيارٌ لابن عبْد البَرِّ

رَجَّحَهُ كذاكَ أبُو زُرعَه
لما رَوى الأشَجُّ ومَا رَفَعَه

محمدٌ وسالمٌ ومسلمُ
حمادُ وخِدَاشُ لا يُسَلَّمُ

حبيبُ عبدُالله ومُطَرِّفُ
ورُؤْبةٌ ذا كُلُّهُ يُضَعَّفُ

وقال بعضٌ اسمهُ كنيتُهُ
والحافِظُ ابْنُ حَجر يُثْبِتُهُ


وكنظم تواريخ وفاةِ بَعْضِ الروَاةِ والعُلَماءِ مَرْمُوزاً لها بِحُرُوفِ (أَبِي جادٍ) فِي رأْسِ الكَلِمِ، ومثالُهُ
1- هنّاد بن السَرِيّ الدارمي:
فتى السَرِيِّ الدارميْ هنّادُ
مُحدِّثٌ رَوَوْا له جوادُ

ر= 200 + م=40+ج = 3 = (ت:243).

2- محمد بن جرير الطبري:
محمدٌ فتى جريرِ الطبري
يَرُوقُ شَأْنُ عِلْمِهِ المُعْتَبَرِ

ي = 10 + ش = 300 = (ت: 310).

3- شيخ الإسلام ابنُ تَيْمِيَةَ:
ثم فتى تيميةَ الحرّانِي =
ثم فتى تيميةَ الحرّانِي
حَبْرٌ كَرِيمٌ ذلَّلَ المعانِي

ح = 8 + ك =20 + ذ = 700 = (ت: 728).

4- الإمام النووي:
ثم الإمامُ الشَّرَفُ النَّواوِي
عَدْلٌ وَفِي خيِّرَهُم يُسَاوِي

ع = 70 + و = 6 + خ = 600 = (ت: 676).

5- الإمام الذهبي:
مُحَمَّدٌ فَتَى عُثْمَانَ الذَّهَبِي
ذا حَبْرٌ مِِِـِيزَ بِميزَانِ الذَّهَبِ

ذ= 700 + ح = 8 + م = 40 = (ت: 748 ).

ومن ذلك تقديم العناية بعلُومِ الآلَةِ وحِفْظُ ما تَيَسَّرَ مِنْ مُتُونٍ فِي النحْوِ ومصطلح الحديث ووفِيَّاتِ العلماء والفرائض، وأَوْليْتُ علومَ اللغة وعلمَ أصول الفقه عنايةً خاصةً ولله الحمد، وطالعت في كـل منهما مِنْ مُخْتَصرَاتِ الفنِّ ومُطَوَّلاتِهِ عَشَرَاتٍ مِنَ الكُتُبِ؛ واقْتَنَصْتُ مِئاتٍ مِنْ نَفَائِسِ دُرَرِها ونَواصِعِ غُرَرِها ولله الحمد، وقدْ نَصَحَنَا بعضُ مشايِخِنا رحمهمُ الله أنْ نَجْعلَ لكل فنٍّ من هذه الفنون كتاباً أو كتابين يكونان عمدةً في الفن؛ يَعْكِفُ الطالِبُ على تَفَهُّمِ مسائله ويكررُ مُطالَعَتَهُ، ثُمَّ يُضِيفُ إِلَيْهِ ما يُحَصِّلُهُ مِنَ الفوائدِ من غيره من الكتب، فانْتَخَبْتُ للنحو: الآجرُّومِيَّةَ، وقَطرَ الندى، وألفيةَ ابنِ مالك بشرْحِ ابنِ عَقِيلٍ، وفي علوم اللغة: فِقْهَ اللغَةِ للثعالِبِي، وأدبَ الكاتبِ لابن قتيبة، وفَي أُصُولِ الفِقْهِ الورقاتِ للجُوَيْنِيِّ، ورَوْضَةَ الناظر، وأكادُ أَسْتَظْهِرُهُمَا حفظاً ولله الحمد. وقدْ جعَلْتُ لهذا الفن كناشاً خاصاً التقطْتُ فيه فوائِدَهُ مِن عشراتٍ من الكتب وجعلتُه كالشرح لورقات الجويني فالحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات.

ومن ذلك تقديمُ العِنايَةِ بِفِقْهِ الحديث علَى فِقْهِ المذاهب، فَطالَعْتُ شروحَ المتونِ الحديثية المختصرة: كعمدَةِ الأحكام، وبلوغِ المرام والمنْتَقَى، ثم شروحَ الكتب الستة مقدماً في ذلك صحيـح البخـاري وسنن أبي داود رحمه الله، واعلمْ أنَّ شَيْخَنا أَبا مُحَمَّدٍ السندِيَّ عليه رَحْمَةُ الله تعالى كان قَدْ دلَّنِي على فائدةٍ مُهِمَّةٍ فِي الطلب، وهي أنَّ الصوابَ فِي قراءةِ الكتُبِ الستة جعلُ صحيحِ البخارِيِّ آخرَها، قال رحمه الله: لأن البخاريَّ إِنَّما صَنَّفَ صحيحَهُ للأئمة الْمُجْتَهِدِينَ لا للطلَبَةِ الْمُبْتَدِئينَ، ولذا أَكْثَرَ فيه مِنَ النكُاتِ الفِقْهِيةِ حتى قيل: فقه البخاري في تراجمِه رحمه الله، والصوابُ أنْ يبدأَ الطالبُ بسنن أبي داود أولاً، لأنه اقْتَصَرَ علَى أحاديثِ الأحكام ولم يُكْثِر فيه مِن ذِكْرِ الخلافَات المذْهَبِيَّةِ كما صَنعَ الترمذي رحم الله الجميع.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:58 PM | رسالة # 10
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
ثم رأيتُ النهج المتبعَ عند علماء هذه البلادِ البَدْءَ بسنن أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجة إن أَمْكَنَ وإلا فَمُسْلِمٌ ثُمَّ البُخَارِيُّ، ومِنْ شُيوخِنا مَنْ يُقَدِّمُ النسائيَّ علَى الترمذي لِتَقَدُّمِ النسائِيِّ فـي الصنعةِ الحدِيثِيَّةِ وَتَساهُلِ الترْمِذِيِّ وإِكْثارِهِ مِنْ ذِكْرِ الْخِلافِ، ومِنهُمْ من يَضُمَّ إلَى النسائِيِّ أَوْ بَعْـدَهُ مُوَطأَ مالكٍ؛ ولِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها.

وَثَنَّيْتُ بِفِقْهِ المذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مُقَدِّماً العِنايَةَ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ رحمه الله لتَأَثُّرِي بِهِ مُنْذُ النشْأَةِ الأُولَى، ثم بِفِقْهِ المالِكِيَّةِ والْحَنَفِيَّةِ لأَسْبابٍ أَذْكُرُها إِنْ شاء الله فِي غَيْرِ هذا الموْضِعِ؛ وبالله التوفيق.

ومَنّ الله تعالى علي بصنعةِ التدريس فدرّسْتُ جميعَ ما قرأتهُ على المشايخِ أيامَ الطلب مِراراً وغيرَه مِنَ الكتب، ودرّسْتُ أصولَ التفسير بتلخِيصِ مَباحِثِ البرهان للزركشي والإتقان للسيوطي والتحبيرِ لـه أيضا، وكنتُ أطالِعُ وَقْتَ تدريسِهِ نحوَ أربعين تفسيراً ولله الحمد مُضافاً إلَى ما أَفدناهُ مِـنْ مشايخنـا رحمهم الله، ثم شرعت في تفسير الفاتحة إلى نِهايةِ قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ولـو جُمِعَ ذلك كانَ فِي نَحْوِ مجلَّدٍ إن شاء الله.

ثم لما منّ الله تعالى علي بالهجرةِ الْمَيْمُونَةِ من نَحْوِ سَبْعَةِ أعوامٍ عَقَدْتُ فِي ثَغْرِ كابُلَ ردَّها الله إِلَى المسلمينَ مَجالِسَ حديثيّةً في سُنَنِ أبي داود؛ معَ إملاء كثير من الفوائد على الطلاب، فتمَّ تمامُه بحمدِ الله تعالى في نَحْو خَمسين مجلساً، معَ إثباتِ السماعَاتِ لكُلِّ مَجْلسٍ ولِمَنْ حَضَرَ من الطلاب، ثم فـي سننِ الترمذي؛ فتمّ بحمد الله في نحو خمسة وخمسين مجلساً، سوى أحاديث يسيرةٍ تستغرق مجلساً واحـداً حال دونَ تَمامِه هذه الحربُ الصليبية فَلَعْنَةُ الله علَى الظالمين، وقدْ حَضَرَ جـميعَ مجاِلسِ الكتابينِ ولَـدي نفعَ الله بهِ، وأَضَفْتُ إلِى هذا كلِّه إِسْمَاعَ الطلاب كثيراً من الأجزاء الحديثية، ودروساً في النـحو والمصطلح وأصولِ الفقه، واستمرَّ الحالُ على ذلك عاماً كاملاً أو يزيد، وأَعْقِدُ فِي الغالب مجـالسَ الدرْسِ والإِمْلاءِ من بعد صلاة الفجر إلى قربِ الظهرِ وربما استمرَّ الدرس إلى ما بعد الظهرِ وأحيـاناً إلى المغرب، وفـي رَمَضانَ مِنْ بَعْدِ التراويحِ إلَى صلاةِ الفَجْر، والحمد ُلله كثيراً كثيرا.

وقد اختار الله تعالى كثيراً من التلامذة المذكورينَ وقُتِلُوا أَوائِلَ هذه الحمْلَةِ الصليبيةِ دِفَاعاً عَن الديـن وصيانةً للحُرُماتِ، رَحِمَهُم الله وتَقَبَّلَهُمْ مِنَ الشهداء؛ وجَمَعَ لَنا ولَهُمْ بَيْنَ شَرَفَي العلمِ والجهـاد فِي سبيله إنه تعالى جواد كريم.

ومما فتحَ اللهُ بِهِ عليَّ بَعْدَ أَنْ اشْتَدَّ عُودُ العلم واسْتَوى على سُوقِهِ ورَزَقَنِي اللهُ تعالى ما أُمَيِّزُ بهِ بين الحقِّ والباطلِ والصواب والخطأِ أنْ سَلَكْتُ مَسْلَكَ كَثيرٍ مِنْ مُتَقدِّمِي العلَماءِ فِي الطلب، وهو أننِي لا أَدَعُ علماً إلا وَوَلَجْتُ بابه؛ حاشا علماً دلّ الشرعُ علَى حُرْمَةِ النظر فيه كالسحْرِ والتَّنْجِيمِ ونحوِ ذلك، وما سوى ذلكَ فالقاعِدَةُ فيه ما ذكَرَهُ الشوكانِيُّ في أَدَبِ الطلَبِ؛ وهوَ مِنْ نفائِسِ كُتُبِهِ أنَّ العْلْمَ بالشيءِ أولَى مِن الْجَهْلِ بِه، ومتَى كانَ الطالِبُ عالـِماً بالفَنِّ كان حاكماً عليه، فإنْ جهـلِهُ كان محكومـاً علَيْهِ! وشتانَ بَيْنَهُما، ولكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لا يُقْدِمَ الطالِبُ علَى ذلكَ حتّى يَتَشَبَّعَ بِمَعْرِفَةِ مذاهـبِ أهْـلِ السنةِ والْجَماعَةِ رَحِمَهُمُ الله وما كان عليه سلَفُ الأمة عقيدةً وعبادةً وفقهاً وسلـوكاً حذراً مــنَ الوقُوعِ فِي مسالك البدَعِ ومَداحِضِ الأهواء.
وقد نفعني الله تعالى بذلك نفعاً عظيما وله وحده الفضل والمنة ، فطالعتُ كلَّ كتابٍ وقعَ تَحْـتَ يدي فِي كُلِّ فَنٍّ مِن الفُنُونِ مُطالَعَةً تامةً ولله الحمد؛ وقَيَّدْتُ فوائدَه حتى اجتمعتْ لديَّ آلافٌ منَ الفوائد؛ وكثيرٌ منها من غير مظانِّها؛ والفضل لله وحده.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:58 PM | رسالة # 11
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
ولما وقعت المحنةُ بِهذهِ الحمْلَةِ الصليبِيَّةِ كانَتْ مِنْحَةً مِن الله تعالى وإنْ رَغَمِتْ أُنُوفُ أَعْداءِ الديـن، وأنُوفُ مَنْ علَى شاكِلَتِهمْ من المُنافِقِينِ وباعَةِ الدين، فَعَكَفْتُ فِي هذه السنينَ علِى المطالعةِ وجَمْعِ الفوائد وتَقْييدِهَا وفَهْرَسَتِهَا؛ ولم يكن لي شغلٌ سِوى ذلك، فطالَعْتُ مما وَقَعَتْ علَيهِ يـدي من كُتُبِ العلُومِ والفنُونِ مئاتٍ مِنَ الْمُجَلَّداتِ؛ بل لعلها تبلغ الألف إن شاء الله تعالى مطالعةً تامةً حرفاً حرفاً، مع تقييدِ النكاتِ ونفائِسِ الفوائدِ وَضَمِّ النظير إلِى نَظيرِه، وغالبُ وقْتِي ولله الحمدُ مَعْمُورٌ بذلك إلا فيما لابدَّ منهُ مِن ضَرُوراتِ الحياة، وكثيراً ما أُطالِعُ الْمُجَلَّدَةِ بتمامِها مِن بعدِ صلاةِ الفَجْرِ إلى منتصف الليل، فالحمدُ لله الذي وَفَّقَنِي لِهذا مِنْ غَير حوْلٍ مني ولا قوة، وأسأله تعالى المزيد من فضله والله ذو الفضل العظيم.

ومما أنعمَ اللهُ تعالَى به عليَّ أنْ ألْهَمَنِي منذُ بداية الطلب تقييدَ فوائدَ لِجُمْلَةٍ من التصانيفِ هيَ مِن أَعْمالِ العُمُر، فاجْتَمَعَ بِفَضْلِ الله تعالَى مِنْ مادَّتِها عَرائِسُ النفائس، إنْ فسـح الله تعـالى في الأجل حَبّرْتُهَا لأهل الإسلام تحبيراً، والله ينفَعُنِي بِها ومنْ شاء من عباده ويُيَسِّرُ لِي إتْمامها، ويَجْعلُها مباركاً فيها مباركاً عليها إنه تعالى رؤوف رحيم.
وهذه إشارة إلى أهمها:
1- ترتيبُ مسندِ أحْمَدَ رحمه الله على أبواب صحيح البخاري مع حَذْفِ التكرارِ ودراسة الأسانيدِ وشرحٍ متوسِّطٍ عليه يتناول مسائلَ النوازِل تناولاً أولياً. وقد فتح الله عليّ به مِنْ وَصِيَّةِ الإمام الذهبي بالمسند رحمه الله.
2- كتابٌ في دَلالَةِ الكتاب والسنة على القواعدِ الأُصُولِيةِ، عَرَضْتُ فِكْرَتَهُ على شيخنا أبي محمد السندي رحمه الله فاسْتَحْسَنَها جدّاً، وعلى شيخِنا أبِي المعالي فحثنِي عليه واستطالَه، وبالله وحده أستعين.
3- دلالةُ الكتاب والسنة على القواعِدِ الحديثية.
4- نظمٌ في وَفِيّاتِ رجال البخاري ومسلم رحمهم الله.
5- كتاب قواعدِ تعبيرِ الرؤيا من الكتاب والسنة على منهجِ السلف رضي الله عنهم، وغيرُ ذلك وبالله التوفيق.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
المقدسيالتاريخ: الإثنين, 02.28.2011, 10:58 PM | رسالة # 12
رقيب
مجموعة: المشرفين
رسائل: 27
سمعة: 0
حالة: Offline
أما ما هو قيد التصنيف وأسأل الله أن يتم قريبا فهو:
أولا: نوازلُ الجهاد: أسئلةٌ وأجوبةٌ يبلغ الموجود منها مجلداً إن شاء الله .
ثانياً: رسائلُ الثغور: ويشملُ مواضيعَ شتّى.
ثالثاً: شرحٌ عِلْمِيٌّ وعَمَلِيٌّ لحديثِ: الحرْبُ خَدْعَةٌ.
رابعاً: جزءٌ في حديثِ: للشهيد عندَ الله سَبْعُ خصال.
خامساً: كتابُ العلْمِ والْجِهادِ.
سادساً: شَرْحٌ على مَنْظومتِي: يمانيُّ اليلب في أحكام الغنائم والفيء والسلب.
سابعاً: كتاب اغْتيالِ الجهاد: وهو كتابٌ لا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مُجاهِدٌ إنْ شاءَ الله.
ثامناً: أرائكُ الحكمة.
تاسعاً: دُرَّةُ المغازِي وتاجُ كلِّ فارسٍ وغازِي: نظْمٌ في مَغازِي النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّـم وسرايـاهُ يَتَضَمَّنُ تاريخَ الغَزْوَةِ والسرِيَّةِ؛ وغَيْرَ ذلكَ منَ الفوائد.
عاشراً: نظمُ القواعدِ الفِقْهِيَّةِ: يتضمنُ قواعِدَ مَجَلََّةِ الأحكام وغيرَها من القواعد.
الحادي عشر: سَمَرُ المجاهِدِ: سلسلةٌ أُقَيِّدُ مِنْها الآن رسالَةً في قَهْوةِ البنِّ تاريخِها وحكمِـها وما صُنِّفَ فيها وما قيل فيها من الأشعار المستحسنة والطرائف المستملحة.
الثاني عشر: كتابُ الرمْيِ؛ قَدِيمُهُ وحديثُه؛ وبيان أحكامه.
الثالث عشر: الحسنَى وزيادَة فِي تراجم من جَمع بين شرف العلـم وشرف الجهاد والشهادة.
الرابع عشر: الحوْلِيَّاتُ الأنْصارِيةُ: على طريقة الفوائدِ لابن القيم وصَيْدِ الخاطر لابن الجوزي.
وغير هذا مما لا يتسع المقام لذكره، وغالبُهُ يحتاجُ إلى مَزيدِ وقْتٍ وسَعَةٍ في الحالِ وراحة في البال، والله أسأل أن يُذَلِّلَ لِيَ الصعاب، وأنْ يجعلَ جميع ذلك لي لا عليَّ وسبباً لدخولي الجنة من الثمانية الأبواب، إنه تعالى سميع قريب.

وبعد، فأقولُ تحدثاً بِنِعْمَةِ الله تعالى: إننّي والله الذي لا إله إلا هو ما أعْلَمُ فِي هذه الدنيا أحْلَى ولا أفضلَ من مَجْلسين، مجلسِ علْمٍ أقْعُدُ فيهِ بين يدي عالمٍ بكتاب الله وسنة رسولِهِ صلـى الله علـيه وسلم أطارِحُهُ مسائلَ العلم، وأُقَيِّدُ ما يَفْتَحُ الله علَيْهِ بهِ منَ الفوائِدِ، ومَجْلِسٍ في ثَغْرٍ منَ الثغُورِ فِي نَحْرِ العدُوِّ يَجْمَعُ نُزَّاعاً مِن القبائل يَجْتَمِعُونَ على مَحَبِّةِ الله ويَفْتَرقُونَ على طاعته.
والحمد لله الذي أكرمني بذلك وأسأله تعالى ألا يحرمني منهما ما حييت، وأن يزيدني علماً ويوفقني إلى كل عمل صالح يرضيه.
والمرجو ممن اطلعَ عليهِ منَ الإخوان، أنْ ينظرُ إليه بِعَينِ الإحسانِ، وأن يَغُضَّ الطرْفَ عما فِيهِ مِـنْ شَيْنٍ وعَيْب، فإنّما الإنسانُ قَرينُ النقْصانِ ولا رَيْب، والله يعلَمُ أَنَّنِي فِي نَفْسِي أَقلُّ مِمَّنْ أُذْكَر، ومـا أَجْهَلُهُ أَزْيَدُ مما أعلمُه وأكثر، ولولا ما أسلفتُ ذِكْرَه، واستباحَةُ الكثيرينَ حُرْمَةَ سكانِ الثـغُور مـنَ المجاهدين ورميُهُم بالجهل لما اقْتَحَمْتُ هذا البابَ ولا حُمْتُ حولَه ولوْ بالفِكْرَة، والله يغفرُ لي خطأي وعَمْدِي، وتَقْصِيرِي وجَهْلِي، وكلُّ ذلك عِنْدِي، وأسألُه تعالَى أنْ يَجْعَلَ حياتَنا سعادةً، وموتَنا شهادةً وآخرتَنا الْحُسْنَى وزِيادَةً.
قالَ مُقَيِّدُهُ عفا اللهُ عنه: كُنْتُ قدْ كَتْبْتُ هذه الترجَمةِ قبْلَ عامَين؛ وأنا عازِمٌ على مُراجَعَتِها بعدَ ذلك؛ وفي النفْسِ أمورٌ كثيرَةٌ أريدُ أن أذْكُرَها؛ خاصَّةً وأنَّ مَنْ يَتَحامَلُ على الجِهادِ وأهْلِهِ يَتَّخِذُ رَمْيَهُمْ بالجَهْلِ ذريعَةً للصدِّ عنه؛ في الوَقْتِ الذي لا يَسَعُ أهلَ الإسلامِ تَركُهُ، حتَّى صارَ عِنْدَ عامَّةِ المُسْلِمينَ وكثيرٍ من خاصتِهم أنهُ لا يَقُومُ بهذهِ الفريضَةِ في زَمانِنا إلا الجَهلَة!، وكانَ الأولى بهؤلاءِ لو أنصفوا دينَهُم وأمَّتَهُم أنْ يتقَدَّمُوا الصفوف؛ لا أنْ يدَعُوا المَحَلَّ شاغِراً؛ وَيَتَحامَلُوا على القائِمـينَ عليهِ بـلا خَوفٍ من الله تعالى ولا حَياءٍ من عَباده!، ولذا أردتُ أن أتوسع في هذه الترجَمَةِ في بيانِ ما يتَعلَّقُ بهذا من المُهمات، لكنني رأيتُ إرجاءَها إن شاءَ إلى تَرْجَمَةٍ أخْرى مَوسَّعَةٍ إن شاءَ الله آتي فيها على كـلِّ ذلك، واكْتَفَيْتُ هنا بالضبطْ والمراجَعَةِ وزِياداتٍ يَسيرةٍ، وباللهِ تعالى التوفيق.
وصلّى اللهُ علَى محمدِ وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتبَ
خادمُ العلم وأهله
أبو الوليد الأنصاري/ كان الله له
في أوائل سنة 1428
ثم راجَعْتها معَ زياداتٍ يَسيرةٍ كما في النص أعلاه.


http://saaid.net/twage3/108.GIF
 
منتدى » التاريخ الإسلامي » سير أعلام العلماء » الشيخ أبو الوليد المقدسي
  • صفحة 1 من%
  • 1
بحث:

Copyright MyCorp © 2024
استضافة مجانية - uCoz