وكتب إليه بعضُهم بِكتابٍ جاءَ فيه:
وقد جرى بيني وبَين صاحبِي نقاش طويلٌ حولَ ما كتبْتُموهُ عن (حماسٍ) في رسالةِ غزّةَ وغَيرِها من الفَتاوى؛ وعن مَوقفكم من قتالِ اليهودِ مَعها؛ وفي ضِمن ما قالَه منَ الكلام: إن كلام الشيخ أبي الوليد في هذه الفتاوى يحتاج إلى مزيد من التفصيل؛ فهو لم يتعرض فيه للكلام عن موقف حماس من القانون الوضعيِّ ومِن تحكيم الشرع؛ وكلام الشيخ إنما كان عن حركة حماس لا عن حكومة حماس، كما أنّ بُعْدَ الشيخ عن معرفة الواقع في غزة يجعلني في صف من يقول بتكفيرها من المشايخ كالشيخ؛ ........و.....و فلان - ( ذكر السائل مجموعة من الأسماء وحذفها الشيخ) -, ولو كان الشيخ مطلعا على الأحوال هناك لقال بقولهم.
وقال أيضا: إن المسألة تتعلق بأصل الدين والتوحيد؛ وهذا لا تجوز المخالفة فيه؛ ولعل فتوى الشيخ كانت مراعاةً للمصلحةِ العامّةِ؛ أو موافقَةً لسياسَةِ الجماعةِ في هذه المرحلةِ, والفتوى قد تتغير بتغير الأحوال؛ وما يقوله العالم اليوم قد يرجع عنه غدا.
فهل من تَعليقٍ للشيخِ على ما جاء في هذا الكلامِ فقد طالَ حولَهُ الجدَلُ وأشكلَ علَينا ما فِيه, وبِم تَنْصَحُونَ تلامذتكم في هذا وجزاكم الله خيرا؟.
[color=green]
فكتبَ فِي جوابهِ ما يَلِي:
الحمدُ للهِ, رب اشرح لي صدري ويسر لي أمرِي واحلُلْ عُقْدَةً من لِسانِي؛ يفْقَهُوا قِوْلِي؛ وبعد:
فليَعْلمِ السائلُ وفّقَهُ اللهُ أوّلاً أنّ مِن عَلاماتِ الخُذْلانِ انصرافَ أهلِ الإسلام عن عدوهم وما يرادُ بِهِم بما بينَهُم من الخصومات, وواللهِ معَ عدا حالُ المسلمينَ اليَومَ مِن هذا الوجْهِ ما كانَ علَيهِ حالُهُم فِي الأندلُسِ أيامَ ملوكِ الطوائفِ قِيدَ أُنْمِلَةٍ واحدَةٍ!, بل زادَ عليهِ ذهابُ سلْطانِ المسلمينَ؛ وضعفُ دَولَةِ العِلْمِ؛ وفُقدانُ هَيبَتِهِ بَينَ الناسِ؛ وما الأمة والناسُ بغَيرِ هذين؟, وإنا لله وإنا إليهِ راجِعُون.
وإنه لمن أعظمِ الفِتَنِ أن يَخْتلطَ العِلمُ بالجَهْلِ؛ وأنْ يفقدَ الناسُ الثقَةَ بأهلِ الحلِّ والعَقْدِ, وأن يَضْطرّهُم الحالُ إلى تفْسيرِ كُلِّ صغِيرٍ وكَبيرٍ للدّهماءِ مِن الناسِ ردّا لعادِيَةِ ما يُثِيرُونَهُ من الشغَبِ والفِتَنِ، فيَصِيرُونَ مَعَهُمْ بَينَ حَجَرَيْ رَحَىً!؛ جَهْلِ الناسِ وخُلوّهِم عن رادِعٍ من دِينٍ أو سُلْطانٍ؛ والضرُورَةِ الداعِيَةِ إلى بَيانِ ما يُفْضِي إلَى هَتْكِ أستارِ ما يَجِبُ كِتْمانُهُ عنْ عَدُّوٍّ ما فَتِئَ يَتَرَبَّصُ بالمُسلمِينَ الدوائرَ، وتِلْكَ الداهِيَةُ المَدْهِيَّةُ مِن أعْظَمِ الجُسُورِ التِي يَعْبُرُ مِنها العَدُوُّ إلى العَبَثِ بأَهْلِ الإسلامِ، ولكنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْقِلُونَ. وأخْرَى لَيْسَتْ هِي دُونَ هذهِ بِحالٍ؛ وهِي اتخاذُ الحدِيثِ عَنْ (حماسٍ) دَيدَناً ودِيناً، حَتّى غَدا امْتِحانُ الناسِ بِها كامْتِحانِهِم بِخَلْقِ القُرْآنِ!؛ وكأنّ الإسلامَ يَبْدأُ مِنْها وإلَيها يَعُودُ؛ فَمَنْ أَعْلَنَ (بالتكفِيرِ) فذلكَ الذِي يَثْبُتُ لَهُ عَقْدُ الإسلامِ بِيَقِينٍ، فإنْ كانَ القَوْلُ فِيها عَلى غَيرِ الهَوَى فَخَرْقٌ لأَصْلِ الدّينِ، ألا لَحَى اللهُ الجَهْلَ ثُمَّ لَحاهُ ثُمَّ لحاهُ؛ لَعَمْرُ اللهِ لَقَدْ أوتِي القَومُ جَدَلاً, وما ضَلَّ قَومٌ بَعْدَ هُدَىً آتاهُمُ اللهُ إياهُ إلا ابْتُلُوا بالجَدَلِ، ولَن يَكُفَّ هؤلاءِ إلاّ أنْ تُسَغَّرَ نارُ الفِتَنِ بَينَ المُسْلِمينَ هُناكَ في غزة؛ فإنّنا لا نَعْلَمُ مَطِيَّةً للعَدُوِّ المُتَرَبِّصِ بِهِمْ مِن الكفارِ والمنافِقِينَ خَيراً مِن الجَهْلِ وأَهْلِهِ؛ واللهُ يَتَولَّى المُؤْمِنينَ.
وأنا أقولُ للسائلِ حَفِظِهُ اللهُ جَمْلَةً تُرِيحُهُ وتُرِيحُ من أرادَ اللهُ لَهُ الهِدايَةَ إن شاء الله: إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ والحَرامَ بَيِّنٌ؛ وهكذا الشأنُ مَعَ (حَماسٍ)؛ صَوابُها مِن المُحافَظَةِ على دينِ الناسِ فِي تلكَ البلادِ ومِن جِهادِ العَدُوِّ الصائلِ وبذلِ الدماءِ والنفوسِ لأجلِ ذلكَ واضِحُ لا يَخْفَى إلا علَى جاحِدٍ أو جاهِلٍ أوْ بَلِيدٍ، والخطأُ المخالِفُ للشرْعِ واضِحٌ بَيَّنٌ، لكنْ يَنْبَغِي أنْ يُعْلَمَ أنَّهُ ما كُلُّ خَطأٍ – علَى اخْتِلافِ مراتِب الخطأِ فِي الشرْعِ- يُؤاخَذُ المَرءُ بِهِ؛ فَضْلاً عن مُؤاخَذَةِ جماعَةٍ المُسلِمينَ، وقَدْ يُوصَفُ الخَطأُ بالكُفْرِ والبِدعَةِ والمَعْصِيَةِ مَعَ ارْتِفاعِ المُؤاخَذَةِ عن الفاعِلِ لِقِيامِ العُذْرِ المُعْتَبَرِ شَرْعاً، مَعَ التفْرِيقِ فِي المَؤاخَذَةِ أيضاً بَينَ خِطابِ التكلِيفِ وخطابِ الوَضْعِ كما يَقَعُ فِي دِيَةِ القَتْلِ الخَطأِ.
وهذه الرتْبَةُ الأخِيرَةُ هِي مَحَلُّ الاجْتِهادِ والنظَرِ؛ وهِي مَحَلُّ تَفاوُتِ مَراتِبِ الفِقْهِ فِي الدِينِ؛ وهِي مَطارِحُ الأفْكارِ؛ ومراتِعُ الأنظارِ، فَلا مَدْخَلَ فِي هذا البابِ للجَهَلَةِ ولا لأنْصافِ المُتَعَلِّمِينَ؛ ولا عِبْرَةَ فيهِ بأقوالِ نَحْوِ أبِي شِبْرِ وأبِي عُقْلَةَ وأبِي قُلامَه؛ ومَن أعْرَضَ عَنها فَقَدْ أحْسَنَ كُلَّ الإحْسانِ ولا مَلامَة، وما أنصافُ المتعلمينَ هؤلاءِ إلا (تَتارَ العِلمِ)!؛ فأوقاتُ طلَبَةِ العِلمِ أشرَفُ من أَنْ تُضيّعَ فِي أخبارِهِم كما قالَ السبكِيُّ في الطبقاتِ الكبرى رحمه الله.
ثُمَّ إن الاجْتِهادَ فِي هذا الزمانِ وإن كانَ كَسابِقِهِ من الأزْمِنَةِ يَرْجِعُ إلى أصْلٍ واحِدٍ إلاّ أنَّهُ الآنَ قَدْ تعَدّدَتْ مآخِذُهُ؛ وتنَوَّعَتْ مَصادِرُهُ ومَوارِدُهُ؛ خاصَّةً ما يَتَعَلَّقُ مِنهُ بالمَصالِحِ العامَّةِ للمُسلمِينَ؛ ومِن هذا أبْوابُ السياسَةِ الشرْعِيّةِ التِي تَتَجَدَّدُ مجالاتُها دَائِماً بِتَغَيُّرِ أحوالِ الأمَمِ والشعُوبِ وتَبايُنِ مَصالِحِها، فكَيفَ وقَدْ تقارَبَ الزمانُ والمكان؛ وتقاطَعَت المصالِحُ بَينَ الأمَمِ وتَبايَنَتْ؛ مَعَ ما عَلَيهِ حالُ الأمّةِ من الانْقِسامِ المُوجِبِ للضّعْفِ والوَهنِ؛ وتَسلُّطِ أمَمِ الأرْضِ علَيها؟؛ وزِدْ علَى ذلكَ تَشعُّبَ أنواعِ العُلومِ والمعارِفِ التِي صارَتْ مِن أعظَمِ أسبابِ القوَّةِ بَينَ الأُمَمِ، وفَوقَ هذا فالعَدُوُّ آخِذٌ بِناصِيَتِها وزِمامِها يَستَغِلُّها فِي خِدْمَةِ مصالِحهِ وتحقِيقِ مآرِبِهِ، فَمَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ فِي حالِ (حماسٍ) أو غَيرِها وما لَها وما علَيها؛ فَعَلَيهِ أن يَنْظرَ فِي هذا كُلِّهِ؛ ولم تَزلْ السياسَةُ المُعاصِرَةُ التي ينتهِجُها العدوّ خاصةً ذاتَ وَجْهَينِ؛ باطِنٍ وظاهِر؛ ولَيسَ ذلكَ إلا باباً مِن أبواب المَكْرِ أو أبوابِ الخَدِيعَةِ فِي الحَرْبِ، والوَجْهُ الباطِنُ وَخفاياهُ وأسرارُهُ قَلَّ أن تَجِدَ من الناسِ مَن يَتَفَطَّنُ إلَيهِ, بل يصعُبُ على الواحدِ في العادَةِ أن يُحيطَ بهِ؛ ولذا أشرْنا فِي غَيرِ مَوطِنٍ إلَى أنَّ الاجْتِهادَ الجَماعِيَّ أرْعَى لَتَحْقِيقِ المصالِحِ فِي هذهِ النوازل؛ فإنّ الاجْتِهادَ في هذا البابِ يَحْتاجُ إلَى كَثِيرٍ من العُلومِ والمعارِفِ والوقُوفِ علَى اخْتلافِ الأحوالِ وتبايُنِ المصالحِ وتَوافُقها؛ والتفطّنِ لخفايا المَكْرِ والكَيدِ؛ معَ مُراعاةِ الضروارتِ التِي يُوجِبُها ما صارَ إلَيهِ حالُ المسلمينَ.
ومِن كُلِّياتِ القواعِدِ المُقَرَّرَةِ قَولُهُم إذا ضاقَ الأمرُ اتّسعَ، وكَيفَ يُتَصَوَّرُ فِي شرِيعَةِ الإسلامِ الجامِعَةِ لمصالِحِ الدنيا والآخَرَةِ أن تُراعِيَ هَذهِ القاعِدَةَ فِي مَصالِحِ الآحادِ من الناسِ ثُمَّ لا تُراعِيَها فِي مصالِحِ أُمَّةٍ بِأسرِها؟.
ولا يَخْفَى أنّ أرضَ فلسطينَ المبارَكَةَ ومِنها أرضُ غَزَّةَ المسلِمَةُ هِي قطبُ الرحَى في المَعْرَكَةِ بَينَ الإسلامِ والكفْرِ اليومِ؛ فالتآمُرُ علَيها من هذا الوجْهِ أشدُّ وأعْظَمُ، والمسلِمُونَ فِيها وعلَى رأسِهِم (حماسٌ) نصرَها اللهُ أحوجُ إلَى مواطِن الرخَصِ فِي الشرْع من ثقات الفقهاءِ وكِبارِ العُلماءِ مِنهُم إلَى التشدِيداتِ التِي يُحْسِنُها كُلُّ أحَدٍ, بل والمُبْتَدِئُونَ مِن الطلابِ أقْدَرُ علَيها مِن المُتَقَدّمينَ منْهُم!!، ومُراعاةُ السلطانِ لحاجات الناسِ العامّةِ أولَى مِن مراعاةِ الضروراتِ الخاصَّةِ؛ أو تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ هذه الثانِيَةِ علَى الأقلِّ، كما فِي القاعِدَةِ الفِقْهِيَّةِ: الحاجاتُ العامَّةُ تُنزَّلُ مَنزِلَةَ الضروراتِ الخاصَّةِ، فكَيفَ وحَقِيقَةُ الحالِ فِي غَزَّةَ عُمومُ الضرورات؟!؛ فما فِيه الناسُ هُناكَ مِن الحِصارِ والفقرِ والحرْبِ وعشراتُ الآلافِ من القتلَى والجَرْحَى والمعاقِينَ والأرامِل واليتامى ؛ معَ تخاذلِ الناسِ عن نَصْرَتِهِم؛ والتربُّصِ بِهِم من القَرِيبِ والبعِيدِ؛ كُلُّ هذهِ من الضروراتِ التِي يُباحُ مَعها ما لا يُباحُ فِي غَيرِها؛ وإذا جازَ لمنْ دخَلَ دارَ الحَرْبِ أن يَتْرُكَ الهدْيَ الظاهِرَ؛ أو أن يَتَزَيا بِزِيِّهِمْ؛ أو يتظاهَرَ بِمظاهِرِهِم إذا اقتضتْ مصلحةُ الجِهادِ ذلكَ؛ أو أن يُعَرِّضَ فِي كلامِهِ بما يَدْفعُ عنهُ غائلَةَ العَدُو وضَرَرَهُ؛ أو أنْ يُصَرّحَ بالكَذِب إذا اضْطُرَّ إلَيهِ، أو أن يُعَرِّضَ فِي دارِ الرافِضَةِ بِما يَدْفعُ أذاهُمْ؛ ونحوُ هذا؛ إذا جازَ هذا وذاك فجوازهُ لمِثْلِ هذه الضروراتِ المذكورَةِ أولَى.
وقد ثَبَتَ فِي مُسنَدِ الإمامِ أحمدَ رَحِمَهُ اللهُ فِي قصّةِ النجاشِيّ - لما أرادَ بَعْضُ قَومِهِ سلْبَ مُلْكِهِ وخَشِيَ علَى مَن عِندَهَ من المهاجِرِينَ المُسلِمينَ - أنهُ خَرَجَ إلَى لقائِهِم وَأخْفَى أوراقاً مِن المَصْحَفِ فِي جَيبِ قَمِيصِهِ؛ وعلّقَ علَى صَدْرِهِ صَلِيباً؛ فَلما قالُوا لَهُ إنكَ قَدْ غَيَّرْتَ دِينَكَ وبَدَّلْتَ؛ وضَعَ يَدَهُ علَى صَدْرَهُ وحَلَفَ لَهُم أنّهُ يُؤْمِنُ بِما هُناكَ؛ وإنما يُرِيدُ القُرآنَ الذِي أُنْزِلَ علَى محمدِ صلّى اللهُ علَيهِ وسلّمَ؛ وهُم يَحْسبونَهُ يريدُ الصليبَ، وقد أثنى النبِيّ صلى الله عليه وسلم على النجاشيّ ونعاهُ يومَ وفاتِهِ لأصحابِهِ بِقَولِهِ: لقد ماتَ اليومَ أخٌ لكمْ صالحٌ من الحَبَشَةِ؛ ثمّ صلّى عليه.
فمثلُ هذا – وغيرُهُ فِي الشرعِ كَثِيرٌ أشرْنا إلَيهِ فِي غيرِ هذا الموضعِ - هو الذِي يحتاجُهُ المسلمونَ هناكَ؛ وهُو مِما يَصْلُحُ للجَوابِ عَنِ المجازَفَةِ بتَكْفِيرِ (حماسٍ) لما يُرَدِّدُه الناسُ من الأسبابِ؛ والظاهِرُ أن الحامِلَ عَلَيها هُو هذه الضروراتُ المذكورَةُ؛ والتعْبِيرُ بالضرُوراتِ فِي هذا البابِ أولَى من تَعْبِيرِ بَعْضِهِم بالإكراهِ؛ لما ذكرناهُ من أن المصالحَ العامّةَ تجْرِي مجري الضروراتِ الخاصَّةِ؛ ولأنَّ الواجِبَ علَى السلطانِ حَمْلُ الناسِ علَى الأرْفَقِ بِهِم ما استَطاعَ إلَيهِ سبيلاً، فكيفَ وحالُ المسلمينَ هُناكَ لا يَخْفَى على أحدٍ، ولا حولَ ولا قُوّةَ إلا بالله.
وأيْضاً فاجْتِماعُ الحَسناتِ والسيئاتِ فِي المُسْلِمِ مُوجِبٌ حَمْلَ ما يَقَعُ منهُم من الخطأِ علَى حُسْنِ الظنِّ ما أمكَنْ؛ والواجِبُ إعمالُ النظَرِ فِي جُمْلَةِ أحوالِهِمْ, والنظَرُ إلى مالهُم مِن السابِقَةِ فِي أعْمالِ البرّ والخَيرِ والدعْوَةِ والجهادِ؛ فإنّ ذلكَ يُغَلِّبُ علَى الظنِّ سلامَةَ القَصْدِ؛ وهذا وَحْدَهُ مما يَدْحَضُ القولَ بالتكْفِيرِ؛ فكيفَ إذا انْضافَ إلَيهِ جَميعُ ما ذكرْناهُ؟!.
وأما تَحْكِيمُ الشرْعِ فَفَرْضُ لا يَسعُ الناسَ تَركُهُ؛ وتحْكِيمُ الشرائعِ الوَضْعِيّةِ المناقِضَةِ لشريعَةِ الإسلامِ؛ والتحاكُمُ إلَيها طوْعاً واخْتِياراً شِرْكٌ باللهِ فِي حُكْمِهِ، والواجِبُ علَى المسلمينَ البراءَةُ إلَى اللهِ تعالَى مِنْهُ وتَحكِيمُ شريعَةِ الإسلامِ فِي غَزّةَ وفِي جَميعِ أمصارِ المسلمينَ، نَعَمْ؛ لكنْ ما هذا نِهايَةُ الكلامِ فِي البابِ، وما الحكمُ بِهذِهِ العُموماتِ غايَةَ الفِقْهِ فِي الدينِ حَتى يُحاكَمَ المسلمونَ إلَيها فَيكونَ من خالَفَ فَهْمَ الناسِ لَها خارجاً عن أصول الدينِ وقواعِدِ الإسلامِ، بل التمسُّكُ بالعُموماتِ علَى هذا الوجْهِ بِضاعَةُ المُفْلِسينَ؛ لا عُمْدَةُ المُتَضَلّعِينَ المُحقِقينَ، والجاهِلُ يَقْفُ عِنْدَها فلا يُبْصِرُ ما وَراءَها! يَحْسَبُ أنها غايَةُ النّهايَةِ!! ؛ وهِي عِندَ الراسخينَ فِي العِلْمِ قاعِدَةُ البدايَةِ، فَوَيلٌ للأخِرِينَ مِن الأَوَّلِينَ، بَلَى واللهِ؛ وَوَيلٌ للعالِم – في زماننا هذا - من الجاهِلِ!، وَوَيلٌ للأمَّةِ مِمَّنْ هُو لا مِنْ هذا ولا مِنْ ذاكَ!، وإلاّ فإنّ تحْكِيمَ الشرعِ كغَيرِهِ من التكالِيفِ؛ إنّما تَجِبُ معَ القُدْرَةِ؛ ولا يَسقُطُ المُيسورُ مِنها بالمعْسُورِ؛ ومع العَجْزِ يسقطُ التكْلِيفُ، ومَتى زالَ العَجْزُ لزِمَ القِيامُ بِهِ، ولَيسُوا سواءً؛ سُلطانٌ وَرِثَ دَولَةً وحُكْما فاسِداً فاجْتَهَدَ فِي إصلاحِهِ ما أمْكَنَهُ؛ وما لم يَقْدِر على إزالَةِ جَميعِهِ من المُنْكَرِ سَعَى فِي إزالَةِ بَعْضِهِ الذي يستطيعُهُ؛ وفِي نَفْسِهِ أمورٌ من العَدْلِ يَتْركُها لأنّهُ لا يَقْدِرُ علَيها، وآخَرُ يَسعَى فِي بلادِ المُسْلمينَ فَساداً؛ فَيُحِلّ ما حَرّمَ اللهُ بإحلالِ الشرائعِ الكافِرَةِ محلّ شرِيعَةِ الإسلامِ، ثُمَّ هو يُمَكِّنُ أعداءَ الإسلامِ من حُرُماتِ المُسْلمينَ وبلادِهِم، ولا واللهِ ما استَوَيا ولا يَسْتَوِيانِ.
ولابنِ تَيمِيةَ رحمهُ اللهُ في المجلدِ التاسعِ عشرَ من المجموعِ كلامٌ طويلٌ عن النجاشِي قالَ في آخره: وَكَثِيرًا مَا يَتَوَلَّى الرَّجُلُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّتَارِ قَاضِيًا بَلْ وَإِمَامًا؛ وَفِي نَفْسِهِ أُمُورٌ مِنْ الْعَدْلِ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا فَلا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ؛ بَلْ هُنَاكَ مَنْ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ وَلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا. انتهى.
ولا يُعْتَرَضُ علَى هذا بأنّ كُلَّ مُعْرضٍ عن شَرِيعَةِ الإسلامِ إلى الشرائعِ الكافِرَةِ يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هذا؛ لأنّ لِقَرائِنِ الأحوالِ مَدْخَلاً عَظِيماً فِي التفْرِيقِ بَيْنَ الاثْنَينِ والتمْييزِ بَينَ الحُكْمَينِ, وأيضاً فَعُموم الأحكامِ شيءٌ؛ وتنْزيلُها على الأعيانِ شيءٌ آخَر، وليسَ هذا الحُكْمُ خاصا بِحماسٍ أيضاً؛ بل هُو عامٌّ فِي كلِّ مَن كانَ حالُهُ حالَها، واللهُ يَهْدِي من يشاءُ إلَى صراطٍ مُستقِيم.
ولا فَرْقَ عِنْدِي بَينَ حَركَةِ حَماسٍ وحكُومَتِها فِيما أشَرْتُ إلَيهِ من الأعْذار، وقَدْ ذكرْتُ فِي بَيانِ حُكْمِ قِتالِ اليَهُودِ مَعها أنّ ما يَأخُذهُ الناسُ علَيها فَهُم بَينَ مضطرينَ إلَيهِ ومُتأولِينَ فِيهِ، وهِي جَمْلَةٌ تَجْمَعُ ما أشرْتُ إلَيهِ فِي صَدْرِ هذا الجَوابِ وغَيرَهُ مما لا يَتسعُ المقامُ له.
وأيضاً فالعدْلُ واجِبٌ مع الموافِقِ والمخالِف؛ وما يقالَ من أنَّ القِتالَ الذِي يَقعُ بَينَ (حماسٍ) وغَيرِها من المسلمينَ إنّما يَحْمِلُهُم علَيهِ الحَرْبُ علَى (الإسلام والتوحِيدِ)؛ فُمجازَفَةٌ من القائلِ خارِجَةٌ عن طِرِيقَةِ الفِقْهِ فِي الدينِ، نَعَمْ قِتالُ المُسلمِ وقَتْلُهُ عظِيمٌ عندَ اللهِ تعالَى؛ ومَن تَوَلَّى كِبْرَ ذلكَ فَعَلِيهِ أن يُعِدَّ بَينَ يديِ اللهِ تعالَى جواباً عَما صَنع، وما نَعْلمُ سَبباً بَعْدَ الشركِ باللهِ تعالَى أسرعَ فِي زوالِ المُلْكِ وذهابِ الدولَة والسلطانِ من سَفْكِ الدمِ الحرامِ ظُلما وعُدْواناً، وهذا حُكمٌ عامّ يتناوَلُ كُلَّ مسلِمٍ أو جماعَةٍ من المُسلمينَ هناكَ – حماساً وغَيرَها - إذ الأصلُ فِي دماءِ جميعِهم العصْمةُ إلا بُبْرهانٍ ناهضٍ من الشرع، لكنْ يَنْبَغِي أن يُقالَ أيْضاً: قَدْ يَكونُ الحامِلَ علَى المَكروهِ والوقوعِ فِي الخطأِ خطَأٌ آخَرٌ سَبَقَ الأوّلَ فَنَتَجَ عَنهُ وتَوَلَّدَ مِنه، فَيَكُونُ مِن بابِ مَن سألَ عن أَمْرٍ فَحُرِّمَ لأجْلِ مسألَتِهِ؛ فالسؤالُ فِي الشرْعِ وإنْ كانَ مُسْتَحبا لأنّهُ مِفتاحُ العِلْمِ كما قِيلَ؛ لكنّهُ لما أفضى فِي هذا الموطِنِ إلى إيقاعِ الناسِ فِي الحرجِ والإثْمِ مع ما جاءَ بِهِ الشارِعُ من التيسيرِ علَى الناسِ كانَ السائلُ مِن أعْظَمِ الناسِ جُرماً، وهكذا هُنا: فإنّ كَثِيراً مِن الناسِ يَحْمِلُونَ غَاياتٍ نَبِيلَةً وَقِيَماً عُلْياَ؛ فِيها - مَتَى تَحَقَّقَتْ - سَعادَةُ البَشَرِ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، لكِنَّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِن المَواطِنِ يَغِيبُ عَنْهُمْ – لِجَهْلٍ أو غَفْلَةٍ – أنَّ الدَّعَواتِ تَتَعامَلُ مَعَ البَشَرِ والأسْبابِ؛ لا مَعَ خَرْقِ العاداتِ والكَراماتِ، ومِن الأسبابِ مُراعاةُ ما يستَجِدُّ من النوازلِ والأحوالِ المُتعلقةِ بِمصالحِ المسلمينَ كما أشرنا إليهِ فِي صدرِ الجواب، ومعَ ذلكَ تَرى مَنْ يُقْحِمُ نَفْسَهُ ودَعْوَتَهُ فِي مَضايِقَ لَهُ عَنْهَا مَنْدُوحَةٌ بِما جَعَلَ اللهُ تَعالَى مِن التَّيْسِيرِ فِي دِينِهِ وشَرْعِهِ؛ فإِذا بِهِ يَجْنِي علَى دَعْوَةِ الحَقِّ أوَّلاً؛ وعَلى مَنْ مَعَهُ مِن الأتْباعِ ثانِياً؛ وعَلَى نَفْسِهِ ثالِثاً؛ ويُجَرِّئُ الجَهَلَةَ مِن الخُصُومِ رابِعاً، ويَفْتَحُ علَى المُسْلِمِينَ باباً يَلِجُ مِنْهُ عَدُوُّ الدِينِ خامِساً، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ.
فَعلَى مَن أَرادَ مِن العُلَماءِ والدُّعاةِ = في غَزَّةَ أو غَيرِها - أنْ يَقُومَ بَأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَصالِحِ المُسْلِمِينَ أنْ يُشاوِرَ أَهْلَ الحَلِّ والعَقْدِ مِمَّنْ يَثِقُ بِدِينِهمْ وإِنْصافِهِمْ وأَمانِتِهِمْ، أمّا التَّفَرُّدُ بالرَّأْي فِي أَمْرٍ تَلْحَقُ تَبِعاتُهُ جَماعَةَ المُسْلِمِينَ؛ ثُمَّ مُطالَبَتُهُمْ بِتَحَمُّلِ الثِّمارِ والتَكالِيفِ – وَرُبَّما كانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَحْكَمُ رَأْياً وأَصْوَبُ قَولاً – معَ ما قَدّمْناهُ من حالِ المُسلمينَ هناكَ؛ ومعَ الغفْلَةِ عن المكْرِ الخَفِيِّ الذي يُرادُ بِهِمْ؛ ثُمَّ ما يَتَرتّبُ علَى ذلكَ من توهِينِ شوكَةِ المسلمينَ؛ وتفْريقِ جماعَتِهِم فِي مقابِلِ عدوهمُ الذي لا تخفى عداوتهُ على أحد؛ وفَتحِ بابِ الفِتَنِ علَى مصارِيعها بَينَ الناسِ يقتلُ بعضهُم بعضاً ويُفْنى بَعْضُهُم بَعْضاً؛ والبلادُ مزْدَحِمةٌ بالقبائلِ والعشائر!، فلا واللهِ ما هذا بالنصفَةِ؛ ولا يلْزمُ المسلمينَ شيءٌ من تَحمّلِ هذه التبِعاتِ، وتَأمُّلُ المَرْءِ فِي عاقِبَةِ ما يَصْنَعُ بِمصالِحِ المسلمينَ مِن أَوْجَبِ الواجِباتِ؛ وليس يدركُ ذلكَ إلا بالعلمِ المَتينِ الذي يَجْمعُ ما يُحتاجُ إلَيهِ من المعارِفِ كما قدمناه؛ وبالرجوعِ إلى أهل الرأي من المسلمينَ؛ إِذِ المَطْلُوبُ حُصُولُ المُقْصُودِ بِأَيْسَرِ التَّكالِيفِ، أَما التَّعَلُّقُ بالمَقاصِدِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَن القُدْرَةِ علَى الأسبابِ!؛ فَمِنْ شَأْنِهِ أنْ يَنْقِطِعَ مَعَهُ المَرْءُ عَنْ بُلُوغِ الغايَات؛ وأن يُحالَ بَينهُ وبينَ إدراكِ ثمارِ النهاياتِ، فَمَن أغْفلَ هذا كلّهُ ووجدَ ما لا يُحْمَدُ فلا يلومَنّ إلا نفسه.
وما في السؤالِ من أنّ ما تَقَدَّمَ مِني من الفتاوي كانَ مَبْناهُ البُعْدَ عن مَعْرفَةِ واقِعِ الحالِ هناك، فكلامٌ لا يُقَدِّمُ ولا يُؤخّرُ، ودعْوى يُمْكِنُ أن تُقابلَ فَتْوى المُخالِفِ بِمثْلِها، وإِنّما يُعْتَبَرُ من الواقِعِ مالَهُ أثَرٌ علَى حُكمِ النازِلَةِ المذكورةِ، ولَم نَرَ فِي قَولِ المُخالِفِ فِي ذلكَ ما يَصلحُ للتعوِيلِ علَيهِ، لا مِن العِلْمِ بالشرْعِ ولا بالواقِعِ الذي يُشيرُونَ إلَيهِ، بل رَأيناهُ قَدْ حَضرَهُ شيءٌ وغابت عنه أشياءٌٌ كما يُقالُ!، و فوقَ هذا فقَد طالَعْتُ ما كَتَبَهُ بَعْضُ مَن سَمّيتَ لِي مِمّن نَعَتّهُم بالمَشايخِ فَلَم أرَ فِيهِمْ مَن يَصِحُّ أن يوصَفَ بالطلَبِ للعِلمِ فَضْلاً عن الوصفِ بالمشيَخَةِ والفِقْهِ فِي الدينِ!, والذي أنْصَحُكَ بِهِ ومَن لِي عَلَيهِ دالّةٌ من الطلَبَةِ والإخوانِ الحذرُ مِن التعويلِ على كُتُبِ من ذكَرْتَ فِي هذه المسائلِ خاصّةً؛ فإنّهُم أَنْفُسَهُمْ لَو كَتَب اللهُ تعالَى لَهم التوفِيقَ وطلَبُوا العِلمَ على الجادّةِ لظَهَرَ لَهُم ما فِيها من ضَعْفٍ فِي أصولِ العِلْمِ وخَلَلٍ فِي القواعِدِ، وحَسبُكَ بِكلامِ من شَهِدَ لهمُ الأكابِرُ بالعِلْمِ والفِقْهِ فِي الدينِ؛ وهُم كَثِيرٌ وللهِ الحمدُ؛ فاجْعَلْهُم العُمْدَةَ لدينكَ؛ والحجةَ لكَ عندَ ربكَ؛ كما قالَ سُبحانَهُ: {فَاسْئلُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلُمُونَ}؛ واللهُ يَهْدِينا وإياكَ سواءَ السبيل.
وأما مُراعاةُ المصالِحِ العامّةِ فِي الفَتوى؛ والتِي هِي مصالِحُ كافّةِ المسلمينَ؛ فذلكَ مِن أوجَبِ الواجِباتِ علَى مَن تَصَدَّى لذلكَ من أَهْلِ العِلْمِ؛ خاصة فِي نحو هذه النوازلِ؛ فإنّ رِعايَةَ ذلكَ مما جاءَ بِهِ الشرعُ المطهّرُ؛ بلْ هُو مِن مَقاصِدِ الشرعِ؛ ومِن عَلاماتِ الفقهِ فِيه؛ وما مِن قَصورٍ يَقَعُ فِي هذا البابِ إلا كانَ ضَرَرُهُ على أهلِ الإسلامِ كافّةً, وإنّما راعَيْنا فِي الفَتْوى هذا وحَسْبُ؛ لا كما قالَ صاحِبُكَ: أو مُوافَقَةً لسياسَةِ الجَماعَة!؛ ولَستُ أدْرِي أي جَماعَةٍ يَعْنِي!؛ وقَدْ عَصمَنِي اللهُ تعالَى من الانتسابِ إلى شيءٍ مِن الفِرَقِ والجماعاتِ صَغِيرِها وكَبيرِها مُنْذُ وعَيْتُ الدُّنْيا وإلى يَومِي هذا؛ وأنا والله أفْخَرُ بذلكَ، ولسْتُ أعْرِفُ إلا الانْتسابَ إلى الأمّةِ المسلمَةِ بأسرْها والحمدُ للهِ رب العالمين؛ ونَحْنُ نَرَى أنّ الانْتِماءَ الحِزْبِي والطائفِي آفَةٌ من آفاتِ الطلَبِ وعَقَبَةٌ تَحولُ بَينَ المَرءِ وبَينَ الفِقْهِ فِي الدينِ الذي يَحْتاجُهُ المسلِمونَ اليوم، نعم؛ ونفرّقُ بَينَ العصبِيّةِ المذمومَةِ والانْتِماءِ والمذمومِ وبَينَ التعاوُنِ معَ سائرِ المسلمينَ على أنواعِ الطاعاتِ والقرباتِ ومنها الجهادُ فِي سبيلِ الله؛ وإنما أنا خادمٌ من خدامِ الشرعِ والعِلمِ؛ اجتهدُ رأيِي ولا آلُو النصْحَ للمُسلمينَ خاصتِهم وعامتهم؛ وما ذكرتهُ في هذه النازِلَةِ في هذا الموضع وفيما سبقَ لم أراعِ فيهِ إلا مُقْتَضَى ما بَلغَ إلَيهِ عِِلمي؛ مقدما في ذلكَ حقّ الله تعالى أولا ثُمَّ مصالحَ أهلِ الإسلامِ ثانياً؛ واللهُ يعصمنا وإياك من مُضلاتِ الفِتنِ ما ظهَرَ منها وما بطنَ؛ والحمدُ للهِ رب العالمين.
كان الله له
خادمُ العلم وأهله
أبو الوليد
الغزي الأنصاري[/color]